لا يتصور أحد أن انتقال السلطة نهاية الآلام، بل هو بداية لإعادة بناء النظام، والدليل أننا وبالرغم من تشكيل السلطة التشريعية بالانتخاب، مازلنا نواجه خلافا وانقساما، والذين أخذوا السلطة صمتوا أو تحولوا إلى ظاهرة صوتية.. حصلوا على السلطة ومازالوا غير قادرين على توظيفها، يكتفون بلعب دور استعراضى أكثر منه عمليا، وقد كان الرهان على نواب الميدان أن يكونوا أكثر وعيا بدورهم بعد أن منحهم الشعب السلطة، لكنهم تركوها ويصرون على اللعب أمام الكاميرا، يفرحون بالتصفيق، والبيانات التى ترشحهم لتشكيل حكومة وهم غير قادرين على استغلال سلطتهم، ولا يدركون أن البرلمان هو السلطة الأخطر، يضع القوانين التى تلتزم السلطة التنفيذية بتطبيقها، وتقضى بها المحاكم، ويحدد لكلا السلطتين ما تفعلانه، مع الفصل بين السلطات، فالبرلمان يخضع لسلطة القضاء بقوانين هو وضعها.
مجلس الشعب حصل على أخطر سلطة، ولم يبدأ بعد ترجمة مطالب الثورة إلى قوانين، والمسؤولية ليست فقط على الأغلبية التى تتحمل الجزء الأكبر، لكن أيضا على الأقلية التى يمكنها أن تفرض وجهة نظرها من خلال التأييد الشعبى والإعلامى، لكن كثيرا من نواب «الشو» يتحدثون باسم الميدان دون أن يقدموا خدمة له، عجزوا عن ترجمة مطالب الميدان إلى اقتراحات بقوانين يمكنها تغيير شكل الحكم لصالح الفقراء، أو الأغلبية، واكتفوا بمواصلة «الجعجعة» رغبة فى الظهور ومداعبة جمهور الميدان دون ترجمة عملية، وكل منهم أصبح يحترف اختراع القصص التى تجعله تحت الضوء، ولن نقول لهؤلاء «خذ السلطة واسكت أو نام أو استعرض، بل خذها واعمل بها».
دور النائب أن يبذل جهدا فى دراسة القوانين القائمة وتحتاج لتعديل ويترك التظاهر للنشطاء، وما نراه من بعض النواب أقرب للمزايدة منه إلى العمل الجاد، الناشط يهتف بسقوط الطغيان، بينما النائب عليه ترجمة الهتاف لاقتراحات بقوانين، وألا يكتفى بالبحث عمن يصفق له، المشكلة أن تقديم اقتراحات بقوانين يحتاج لجهد ودراسة وخبراء ومناقشات، وهى جهود مرهقة قد تعوق النائب عن الظهور فى الفضائيات، واعتاد بعضهم أن يخرج فى الفضائية ليقول كلمتين يتم نقلهما على فيس بوك وتويتر مع ما تيسر من إعجاب وتصفيق، وهو طريق غير مكلف، وإن كان يمثل خذلانا للناخبين الذين منحوه سلطة.
هؤلاء النواب حصلوا على السلطة وأصبحوا مسؤولين أمام الشعب، لكنهم يخدعون الناس بادعاء الهتاف، بينما عليهم مواصلة طرح وجهات نظرهم فى البرلمان ومحاولة إقناع الأغلبية والأقلية بها، ولديهم الإعلام يمكن أن يساندهم، لكنهم لا يفعلون ويكتفون بالقول إنهم مع تسليم السلطة ويتجاهلون أنهم تسلموا جزءا من السلطة الأخطر، ويتحملون المسؤولية مع الأغلبية، وعليهم أن يكفوا عن الحديث باسم الشعب، وأن يعملوا له وباسمه نقول لنواب «الجعجعة» أخذتم السلطة، فاعملوا بها، وكفوا عن خداع الجمهور والميدان وقوموا بدوركم.