حينما يشتد البرد، وتنال منك قرصته المعلومة، فإن أول ما يتأثر فيك هى الأطراف، أصابع يدك وأصابع قدميك، أنفك، أذناك، تصبح الأطراف مؤشرا مهما على أن درجة حرارة الجو أصبحت غير معتادة، ومؤشرا أيضا على أن الجسم قد لا يتحملها، ومن هنا يسارع الواحد إلى تدفئة الأطراف، فنلجأ فى أيام الصقيع الشديد إلى ارتداء القفازات لتدفئة اليدين والكوفيات لتدفئة الأنف الأذن والجوارب الثقيلة لتدفئة القدم.
سبب هذا التجمد كما يقول العلماء هو انقباض الشعيرات الدموية التى توصل الدم لهذه الأطراف، مما يعطل وصول الدم إليها، وإذا استمر هذا التجمد تصبح الأطراف أقل حساسية للمتغيرات، وإذا كانت هناك أمراض أخرى يعانى منها الإنسان مثل تصلب الشرايين أو اضطراب الدورة الدموية تصبح الخطورة كبيرة، فدم الإنسان هو حياته، ووصوله إلى الأطراف هو سبب حياتها وحيويتها، وإذا أعيقت عملية وصول الدم للأطراف أصبحت بين خطرين، الأول هو فقدان حساسية أطراف الجسم، كما فى حالة تجمد الأطراف بالصقيع، والثانية فقدان الأطراف نفسها كما فى حالة اضطرابات الدورة الدموية.
الدولة بالنسبة لى مثلك تماما، كائن حى، يعيش وينمو ويحتاج إلى الدماء دائما لتتكامل قوته، وتتحقق وحدته، وإنى لأندهش من الذين يتحدثون الآن عن «مخطط تقسيم مصر» بهدف إخافة الناس وتشويه الثورة، خاصة أن هذا المخطط كان ينفذ بحرفية وإتقان شديدين على يد المخلوع مبارك ولم ينبسوا ببنت شفة، فلم تلاق أطراف مصر فى النوبة وسيناء والقنال وسيوة عنتا وإبعادا وتجميدا مثل ما لاقته أيام مبارك، وبدلا من أن يصبح تنوع مصر الجغرافى والثقافى ثراء لها، أصبح غربة وتنافرا على يد سياسته المستبدة المتآمرة العفنة، وفى هذا الشأن كتبت فى منتصف العام الماضى مقالا بعنوان «سيناء وثلاثون عاما من العزلة»، وطالبت بإدماج أطراف مصر فى متنها ليصبح «الكل واحدا متنوعا» واستجاب الدكتور شاكر عبدالحميد لهذه الفكرة وأمر بإنشاء لجنة لثقافة سيناء تمهيدا لإنشاء لجان متخصصة لكل إقليم ثقافى ليحارب عزلة هذه الأقاليم ثقافيا، لكن للأسف ذهب الحماس سريعا، وعاد التجمد إلى ما كان عليه.
وللعجب أيضا فإن الذين صمتوا وتغافلوا عن تطبيع مبارك الكامل مع إسرائيل خرسوا ووضعوا الحذاء فى أفواههم وهم يرون كيف كان مبارك يعذب السيناوية ويضطهدهم، ويفقر القناة ومحافظاتها، ويتجاهل أهل النوبة، ويتعالى على أهالينا فى الواحات، وكان الأولى أن نطبع العلاقات مع أهالينا بدلا من الشكوى من مخططات تقسيم مصر، عبر مد مشاريع التنمية الحقيقية إلى تلك المناطق وإدماجها ثقافيا فى الواقع الثقافى المصرى، ومحاربة التطرف الفكرى والمذهبى والدينى.
المطلوب كوفية وقفاز وجوارب ثقيلة لأقاليم مصر وأطرافها حتى تصل إليها الدماء، مع معالجة أمراضها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سريعا وبلا تردد، وقبل أن ننسى: يسقط يسقط حكم العسكر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة