أحببت الفريق سعد الدين الشاذلى رحمه الله من قراءاتى المتعمقة فى المعتقل لتاريخ حرب أكتوبر الذى كتبه باستفاضة وإنصاف المؤرخ العسكرى جمال حماد، ثم فاض حبى له بعد أن عكفت على قراءة مذكراته والتى صدرت فى منتصف الثمانينيات، وكان لهذه المذكرات أثر غير مباشر على كتاباتى الدعوية رغم أن مذكراته لا علاقة لها بالدعوة من قريب أو بعيد ولكنها فقط تلخص مسيرة حياته العسكرية الرائعة والتى تنبض بمزيج فريد من الحيوية والفاعلية والشجاعة والوطنية والعلم العسكرى. فقد وجدت أن الفريق سعد الشاذلى حينما تولى رئاسة أركان الجيش المصرى وجد أن هناك فجوة عميقة بين فكر القيادة المركزية للجيش وبين المقاتلين والضباط فى الميدان.
كما وجد أن الجندى يحتاج إلى دليل بسيط يدله على كل ما يحتاجه من العلم العسكرى ويلخص له الطريقة المثلى فى التصرف فى كل المواقف التى يمكن أن تحدث معه فى التدريب أو فى الحرب فكتب للجنود دليلاً يحمله الجندى فى جيبه وسماه «دليل الجندى»، ثم وجد أن الضابط من رتبة الملازم وحتى رتبة الرائد يحتاج إلى دليل عسكرى مبسط يبين له واجباته العسكرية والميدانية بأسلوب مبسط فكتب له «دليل الضباط الأصاغر»، ثم وجد أن الضابط من رتبة المقدم وحتى رتبة العميد يحتاج إلى دليل آخر يشرح له كيف يقود وحدته فى التدريب والتكتيك والمعارك وكيف يجهز وحدته للحرب فكتب لهم «دليل الضباط الأكابر»، وقد وجدت أن المشكلة التى عانى منها الفريق سعد الشاذلى فى الانفصال الفكرى بين قيادات الجيش المركزية ووحداتها على الأرض موجودة فى دعوة الجماعة الإسلامية فى أواخر الثمانينيات حيث وجدت وأنا فى المعتقل أن أفراد الجماعة الإسلامية يقعون فى أخطاء كثيرة فى الدعوة تنفر الناس وتوقعهم فى مشكلات مع الناس والأمن دون مبرر أو ضرورة شرعية أو واقعية، ووجدت أننى فى المعتقل لا أستطيع تصويب هذه الأخطاء أو إعطاء صورة صحيحة لكيفية الدعوة إلى الله فى القرى أو المدارس الثانوية أو الجامعة.
ولمعت فى ذهنى تلك الفكرة الرائعة للفريق الشاذلى رحمه الله فعزمت أن أنفذ هذه الفكرة فكتبت «دليل الدعوة فى القرى» وتلقاه الإخوة بفرحة غامرة، ثم كتبت «دليل الدعوة فى المدارس الثانوية» وحاز إعجاب الجميع، ثم كتبت «دليل الدعوة فى الجامعات»، وقد فعلت بعد أن هالنى أن بعض الإخوة فى القرى والمدارس الثانوية أضروا بدعوتهم ضرراً فادحاً نتيجة سوء الفهم لرسالة الدعوة بمعناها الوسطى الشامل. فالدعوة ليست تسلطاً على الناس أو قهراً لهم على اختيارات فقهية معينة ولكنها تحبيب الناس فى الدين والرفق والرحمة بهم.
ولو أن هذه الأدلة أخذت فرصتها فى التفاعل الإيجابى بين الإخوة لكان للجماعة الإسلامية شأن آخر.. ولكن ما إن بدأ تفعيل هذه الأدلة وانتشارها بين بعض الإخوة حتى دخلت الجماعة الإسلامية فى نفق الصدام مع النظام مرة أخرى وضاعت الدعوة وضاع معها كل شىء، إن الحركة الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الأدلة حتى اليوم ليسترشد الداعية فى القرية إلى طريق الدعوة الوسطى الصحيح ويسترشد الداعية الشاب بخبرة من سبقوه فلا يقع فى الأخطاء التى وقعوا فيها.
والغريب أننى إلى الآن أبحث عن نسخة واحدة من هذه الأدلة فلا أجدها فقد قامت جميع أسر الجماعة الإسلامية بحرق كل ما يتعلق بفكرها أو أدبياتها وذلك بعد أن أصبح زائر الفجر يكسر البيوت ويبث الرعب ويعتقل الأقارب فأصاب الأسر ما أصابها وحرقت كل شىء حتى الكتب الدينية العادية. فقد كانت أيام التسعينيات أصعب الأيام فى تاريخ مصر السياسى كله.
رحم الله الفريق الشاذلى وتقبل الله جهاده وبذله وعطاءه، ذلك الجهاد الذى لا تتسع له مجلدات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة