بين مطرقة الواقع وسندان القانون تقع قضية تهجير الأسر المسيحية من منطقة العامرية فى الإسكندرية، الحل الذى توصل له المجلس العرفى الذى تشكل للسيطرة على الفتنة هو حل غير قانونى والأكثر من هذا أنه ينطوى على جريمة تحظرها مواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وهى جريمة التطهير العرقى أو الإثنى، حيث يتم إخلاء منطقة معينة من أبناء جنس معين أو اتباع دين معين، وجعلها مقصورة على أبناء جنس أو دين آخر.
من الناحية القانونية والحقوقية أيضاً تبدو المجالس العرفية ودورها فى حل النزاعات الطائفية استمرارا لغياب دولة القانون وربما استمرارا لغياب دور الدولة بشكل عام، وهى ظاهرة عرفتها مصر طوال ثلاثين عاما من حكم مبارك ويبدو من ردود الفعل الرافضة لها أن الناس كان لديها أمل أن تختفى هذه الممارسة بعد الثورة فى إطار إصلاح أشياء كثيرة ينبغى لها أن تصلح.
المؤسف حقيقة أن الأزمة التى بدأت منذ أسبوعين تقريبا ووقفت فى مرحلتها الحالية عند خطوة ترحيل ثلاث أسر إحداها أسرة مسلمة من القرية مرشحة التصاعد بشدة.
والأخبار الواردة تقول إن اتحاد شباب ماسبيرو ينوى تقديم مظاهرة حاشدة يوم الجمعة القادم للاحتجاج على قرار تهجير الأسر المسيحية.
الروايات الواردة من العامرية تقول إن فتنة اندلعت عقب شائعة عن علاقة غير مشروعة بين مواطن مسيحى وبين سيدة مسلمة متزوجة، وأن كليبا مصورا لهذه العلاقة كان السبب فى اشتعال الأحداث، حيث قام الأهالى بالتجمهرً وإحراق منزل القبطى الذى يعمل ترزيا، فضلا عن مهاجمة عدد آخر من المحلات التى يملكها أقباط، ربما كان القدر رحيما بالمسلمين والأقباط أيضاً، حيث قام أحد المسلمين بإطلاق النار مستهدفا الأقباط بالطبع لكن القدر شاء أن تصيب رصاصاته ثلاثة من المسلمين بطريق الخطأ، لتجتمع لجنة عرفية تضم المسئول الأمنى للمنطقة ونائبا الدائرة وأحدهما سلفى والآخر إخوانى، فضلا عن كاهن الكنيسة واثنان من مشايخ السلفية.
المجلس العرفى اتخذ قرارا بأبعاد عدد من الأسر أغلبها أقباط ومنها بالطبع أسرة القربى الذى كان سببا فى الأحداث، لكن منها أيضاً وفق الروايات المتداولة أسرة السيدة المسلمة وأسرة التاجر المسلم الذى أطلق الرصاص وأصاب الثلاثة المسلمين بالخطأ.
إلى هنا انتهت الرواية الصحفية للأحداث لنجد أننا إزاء عدة وقائع كان القانون فيها معطلا، منها واقعة العلاقة غير الشرعية المزعومة بين المواطن القبطى والسيدة المتزوجة وما قيل عن كليب مصورً لها وهى واقعة كان يجب على النيابة العامة أن تحقق فيها، وأن تعلن نتيجة التحقيقات، وما إذا كان هناك كليب مصور وعلاقة آثمة أم أن الأمر مجرد شائعات، نفس الأمر ينطبق على واقعة تبادل إطلاق النار وإصابة ثلاثة من المسلمين نحمد الله أن إصابتهم جاءت بنيران صديقة، حيث كان يجب على النيابة العامة أن تحقق، وأن تعاقب المذنبين بسيف القانون بدلا من ترك الأمر لسلطة القضاء العرفى.
من وجهة نظرى أعتقد أن اللجنة المحلية التى تم تشكيلها لم تكن تقصد ارتكاب جريمة التطهير العرقى، وأنها لجأت لتسهل الحلول وأكثرها نجاعة لإطفاء نيران الفتنة، لكن الحقيقة ان أسهل الحلول ليس هو دائماً أفضل الحلول، أعرف أيضاً أن هذه ليست هى المرة الأولى التى تحكم فيها مجالس القضاء العرفى بإبعاد أسرة قبطية أو أكثر من القرى التى تندلع فيها أحداث فتنة طائفية، لكن المنطق يقول إن ما كان يحدثً قبل الثورة لا ينبغى له أن يستمر بعد الثورة.
فى ضوء حالة الانفلات الأمنى البالغ أستطيع أن أتفهم قرار المجلس العرفى الذى يهدف لإبعاد البنزين عن النار، لكن أفهم أيضاً أن الجميع يجب أن يناضلوا وبذلوا مزيدا من الجهد لإقرار مفاهيم جديدة للمساواة وحقوق الإنسان فى مصر الثورة.
سيناريو الأحداث مرشح للتصاعد مرة أخرى فى ضوء تصميم الأقباط على عدم قبول ما حدث، ويتم الاعتصام مرة أخرى أمام ماسبيرو، ومن جهة أخرى فإن إعادة الأسر المهجرة العامرية خطوة لا يقدر عليها سوى مجتمع بكامله.
اسبقوا الكارثة قبل أن تقع، شكلوا وفدا من السياسيين ورجال الدين والفنانين وكافة رموز المجتمع ليذهب العامرية فى صحبة الأسر المبعدة على أن يكون دوره هو إقرار الصلح بين الجميع وليس إعادة الأسر المبعدة بالقوة.
على الدولة أيضاً أن تبحث لها عن دور ما فى هذه القضية وليكن رعاية المبادرة الشعبية ورعاية الوصول لحل توافقا تحرسه وتفرضه هيبة الدولة.
اذهبوا العامرية قبل أن تتكرر فتنة الماريناب ونبكى على اللبن المسكوب
اذهبوا الآن وليس غدا.
عدد الردود 0
بواسطة:
يحيي رسلان
لن تستطيعوا ان تلعبوا علي ازمات ومشكلات المصريين مرة اخري
عدد الردود 0
بواسطة:
mina
واللة انت راجل محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس سليمان محمد - الفيوم
نأمل أن تصل دعوتكم لمن يهمه الأمر
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس / محمود الامبركابي .. نوبي
بارك الله فيك يا استاذ وائل لطفي
عدد الردود 0
بواسطة:
مارينا مسيحية
كغاية ظلم