منذ أيام كتبت هنا عن مخطط تقسيم مصر الحقيقى الذى قلت إن حكم العسكر هو الذى تسبب فيه ورعاه منذ عشرات السنين، وذلك عقب انتشار «نغمة تقسيم» والتفزيع منه وإلصاقه بالثورة، وفى الحقيقة يعتمد الكثير من الخبراء الاستراتيجيين الذين كانوا يعملون خفراء احتياطيين، على هذه النغمة المرعبة فى تشويه الثورة وإلصاق التهم الجزافية بالثوار، حتى بعد أن ظهرت نتائج تحقيق قضاة تحقيق قضية التمويل الخارجى والتى لم تتهم أحدا من الثوار ولا الجماعات الثورية ولاسيما «6 أبريل» بهذه التهمة.
نعم ربما يكون هنا مخططات من أجل تقسيم مصر أو إضعافها أو تقزيمها أو الاستيلاء على دورها، وربما يريد بنا أعداؤنا سوءا، لكن ما الذى جعلنا لقمة سائغة فى أفواه أعدائنا، ومن الذى مكنه من أن يعبث بأمننا ووطننا وحاضرنا ومستقبلنا؟ هذه الأسئلة هى الأولى بالطرح، والأولى بالإجابة، فإن كان أحد من الخارج يريد لنا الشر، فلاشك هنا أن أحدا من الداخل يساعده فى نيل ما يريد، وإن كنا حقا نريد أن نبحث عمن يساعدون أعداءنا فى تحقيق نواياهم الخبيثة، فعلينا أن نحارب من يزرع الغربة فى قلوب إخواننا فى الوطن.
فى الذى سبقت الإشارة إليه قلت إنه لابد من إقامة مشاريع التنمية الحقيقية بأطراف مصر وإدماجها ثقافيا فى الواقع الثقافى المصرى، ومحاربة التطرف الفكرى والمذهبى والدينى، بالشكل الذى يجعلنا نستفيد من التنوع الثقافى المصرى وتعدد أقاليمها الجغرافية باعتبارها عوامل ثراء، لا أن ننظر إليها باعتبارها مناطق تهديد، فمشاريع التنمية الاقتصادية هى التى تكفل للإنسان حياة كريمة فاتحة أمامه الباب للاندماج فى المجتمع والتنعم بخيراته، فمن لا يملك قوته لا يملك حريته، ومشاريع التنمية الثقافية هى التى تعمق ارتباط الإنسان بوطنه وتاريخه وتهذب من حدته وتخفف من عنصريته وتنقله من البداوة إلى التحضر، وتقضى على النزعات القبلية والعصبية الجاهلية من أجل مجتمع أكثر إنسانية وتسامحا وتراحما، وعلى ذلك تصبح التنمية بشقيها الاقتصادى والثقافى كشوكة حادة بها نطعن ثعبان المشاريع الهدامة.
ليس ما حدث فى العامرية من تهجير للعائلات القبطية وإحراق لبيوتهم ونهبها وسلبها بروح انتقامية بسبب ما أشيع عن علاقة أحد الأقباط بامرأة مسلمة إلا نموذجا لما يمكن أن يصير عليه الحال نتيجة لأمراض المجتمع المصرى الناشئة عن تفشى الجهل والتعصب وغياب دولة القانون، ولا حل لهذه الأمراض إلا مقاومتها بكل السبل قبل أن يصبح «تقسيم مصر» دينياً ومذهبياً وجغرافياً واقعاً.. يسقط يسقط حكم العسكر.