أزعم أنى من أكثر الناس احتراماً وحباً للسينما والأهم معرفة بقيمتها فى حياة الشعوب وتأثيره، تلك مقدمة لابد منها قبل أن ندخل فى أى حديث، فالسينما فن شعبى قادر على أن يخترق حاجز اللغة واللون والدين، ورغم ذلك فقد دهشت وتعجبت وتوقفت أمام خبر تداولته الصحف منذ أيام حول ترأس د. محمد البرادعى للجنة تحكيم فى مهرجان برلين السينمائى.
وبعيداً عن كثير من التعليقات والسخرية التى صاحبت انتشار هذا الخبر والحديث بخفة عن قبلة البرادعى لجميلة جميلات السينما أنجلينا جولى الفائزة بجائزة أفضل فيلم فى مسابقة السلام، أود أن أطرح أسباب دهشتى وتعجبى.
الدكتور البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل للسلام بالتأكيد شخصية عالمية يصح ويجوز أن تتجه له الأنظار عالمياً ليكون وجهاً لجائزة السلام فى مهرجان سينمائى دولى له قيمة وقامة مهرجان برلين، إذاً اختيار البرادعى لرئاسة هذه اللجنة هو أمر يُحمد لإدارة المهرجان ويعتبر اختيارا ناجحا وفى موقعه.
أما قبول الدكتور البرادعى رئاسة هذه اللجنة فهو أمر آخر وفى غير موقعه، فالرجل الذى يطالب البعض بأن يكون الأب الروحى للثورة المصرية فى هذا التوقيت، وهو ذاته الذى عوّلت عليه كثير من القوى السياسية مسؤولية تولى الرئاسة، فكان مرشحاً محتملاً فى سباق الرئاسة المصرية فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر، هذا الرجل ذاته هو من انسحب من سباق الرئاسة وكانت له أسبابه، قبلتها أو اختلفت معها، ولكنها بالتأكيد كانت محبطة للكثيرين.
الدكتور البرادعى قد تحول فجأة من بطل خبر سياسى إلى بطل خبر فنى وهو تحول فى الظروف العادية ليس بغريب، فكم من علماء ومشاهير سياسة يجذبهم الفن وأهله وأحياناً قيمته ودوره فى التغيير.
ولكن حين يكون الوطن فى مأزق هوية وفهم وثورة، ويخرج من يرى فيه كثير من أهل الثورة صفة المخلص ليكون عضو لجنة تحكيم فرعية فى مهرجان سينمائى حتى لو كان «برلين» يُعد هذا عيباً فى الحد الأدنى لفهم الموقف.
خذل البرادعى الثوار كثيراً منذ الخامس والعشرين من يناير عام 2011 لحظة اندلاع الثورة وحتى من قبلها حين أتى إلى مصر داعياً للتغيير ليأتى مهرجان برلين ولجنة تحكيمه وقُبلة أنجلينا كآخر التصرفات المخذلة للرجل، ورُبَّ قائل بأن كلمة البرادعى عن الربيع العربى والتغيير فى مهرجان برلين نزعت التصفيق والاحترام، وعن هذا القول أرد بأن أى شخص كان سيقول ذات الكلمات كان سينزع التصفيق والاحترام لأن الربيع العربى ومصر صارت ثورتها تنزع الاحترام حتى لو كان المتحدث شعبان عبد الرحيم، وبالتالى الرجل لم يضف ولكنه خذل المزاج العام والظرف العام كما خذل الثوار من قبل.
فى ذات هذا المكان وفى نفس الجريدة كتبت فى شهر سبتمبر من عام 2011، أى قبل شهور من الثورة، أن مأزق مصر، أن كثيرا من أبطالها أبطال من ورق، وأن البرادعى فى تصورى بطل من ورق، وها أنا أعود لذات العبارة، نعم البرادعى بطل من ورق لم يحتمل طويلاً أو حتى قليلاً مما نحتمله كشعب من حجر.