نفس الأتوبيس.. أتوبيس الفتنة يسير من هنا إلى هناك، من إمبابة إلى العامرية إلى ميت بشار وقبلها دُهس الكثيرون فى محافظات الصعيد ووجه بحرى، ومع ذلك لم تنجح الدولة التى يقول عنها التاريخ أنها أصل الحضارة، ولا الشعب الذى يرى فى نفسه مالكا حصريا للعفة والسماحة فى إيقاف هذا الأتوبيس الذى ينتقل بدخانه وناره وخرابه من محافظة إلى الأخرى ومن قرية إلى الأخرى، مخلفا وراءه عشرات الضحايا وآلافا من بذور التعصب والغضب بين المسلمين والمسيحين.
كارثة ماحدث فى ميت بشار أو العامرية أو غيرها ليس الفتنة أو نارها، ولكنه فى سبب الفتنة نفسها أو «الولاعة» التى تشعل نارها.. والتى غالبا ماتكون «واحدة ست»، فتاة صغيرة من هنا أحبت شابا من هناك أو العكس، سيدة ما تخيلت أن السماء بكل تعاليمها المسيحية أو الإسلامية قد كفلت لها حرية الاعتقاد، فقررت أن تستجيب إلى قلبها وعقلها وتنتقل من دين إلى آخر، والأغرب من هذا وذاك أن كثيرا من الصراعات بين المسلمين والمسيحين فى مصر كانت «الولاعة» التى أشعلت نارها «مومس» أو عاهرة صرخت فجأة وأسمعت الجيران ليس من فرط اللذة، ولكن لأنها اكتشفت أن الزبون على دين غير دينها، حدث هذا فى المنيا وفى قنا واشتعلت المنازل بالنار، والقلوب بالغضب لأن العاهرة اكتشفت فى منتصف علاقتها المحرمة أن الزبون النائم فى أحضانها مسيحى الديانة، وتجمهر الجيران الذين لم يزعجهم وجود بيت دعارة وسط حرمة منازلهم بقدر ما أزعجهم أن الزبون كان يحمل فوق يده صليبا.
تكمن الأزمة هنا فى هؤلاء الأفراد الذين يشعلون نار الفتنة ويشعلون معها وطنا بسبب قصة حب فردية أو علاقة محرمة لا دين لها أصلا، تحت شعار نصرة الأديان وهم لا يعرفون للمسجد أو الكنيسة بابا.
حجة مفتعلة لشباب ورجال ربما لا يسمعون خطبة جمعة أو يعرفون طبيعة عمل الشيخ محمد رفعت ولم تزر أذنهم أو قلوبهم ترنيمة واحدة بصوت «فيروز» أو عظة كنسية محترمة، حجة يمكنك أن تضيفها إلى عنقود الحجج الذى يتفنن المصريون فى حبكته، لإيقاظ الفتنة التى يلعن الله من يقلق منامها فى الليل والنهار، أهل ميت بشار وأهل العامرية الذى خرجوا لتهجير عدد من الأسر القبطية بسبب شائعة عن علاقة محرمة بين مسيحى ومسلمة لم ولن يكونوا الوحيدين الذين يبحثون عن «حجة» لكى يشهروا من أجلها سلاحهم، سبقهم الكثيرون من الجانبين، اختلفت أسلحتهم ولكن حججهم تشابهت.. واحدة ست.
شاب مسيحى عاكس فتاة مسلمة.. فتعلن ميكروفونات المساجد الجهاد للدفاع عن عرض الإسلام، مرة أخرى يحدث فيها العكس فتطلب عظة الأسبوع من شعب الكنيسة الانتقام لشرف الصليب، حتى حينما تعلق الأمر بفتاة وظيفتها الرسمية «فتاة ليل» استيقظت الفتنة وراح ضحيتها فى الصعيد العشرات.
هل وصل المسلمون والمسيحيون فى مصر إلى تلك الدرجة من عدم الثقة، فيما أوحت به السماء من عقيدة، يرون أنها قد تنهار إذا خسرت واحدة ست، أو يعتقدون أنها قد تسمو إذا أضيفت على قوائم المؤمنين بها.. واحدة ست!!.
الأزمة إذن لا علاقة لها بالدين، لأن بلدا لا يأمن على بناته فى «عز الضهر» من حفلات التحرش الجماعى، ويتصدر شباك تذاكر سينماته أفلام دينا وسعد الصغير، كاذب لو قال إن شعبه متدين، هى مسألة قوائم يسعى كل فريق لزيادة تعدادها حتى يقف على الجانب الآخر من الطريق ويخرج لسانه متلاعبا للفريق الآخر، مثلما يفعل جمهور الأهلى حينما يضيف «عدلى القيعى» لقائمته لاعبا كان يرتدى الفانلة البيضاء من قبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة