منذ أيام ولا شىء يملأ الدنيا ويشغل الناس إلا إعلان اسم الرئيس الذى قيل عنه إنه سيكون «توافقى»، فمنذ أشهر عديدة رسخت وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين «زورا» فكرة أن كل الأسماء المطروحة فى سباق الترشح للرئاسة لا تصلح، وأنهم بانتظار ظهور مرشح قوى، صوروه فى هيئة «المخلص» وبالتوازى مع ترسيخ هذه الفكرة اجتهد المجلس العسكرى والسياسيون بكل ما أوتوا به من قوة فى تشويه وسائل الإعلام ومحاولة تفريغها من مضمونها، حتى يضمنوا أن نسجد لله شكرا إذا ما طلعوا علينا قبل انتخابات الرئاسة بقليل، ليقولوا لنا: ها نحن قد وجدنا الرئيس التوافقى، غير عابئين بآراء الكتاب والمثقفين والمحللين، وبقليل من أساليب دعايتهم الرخيصة وبنفس آلية الشو البرلمانى يضمنون أن يصل هذا الرئيس إلى قصر العروبة محمولا على «الصناديق».
لست هنا لأقدح فى فكرة التوافق أو لأذم فى اسم الرئيس التوافقى، فالتوافق شىء محبب حينما يكون مبنيا على أسس حقيقية راسخة، لكن أن يتوافق أكبر الأحزاب أو معظمها مع المجلس العسكرى ورجال الأعمال على اسم مرشح واحد، فهذا معناه أن هذا المرشح ليس توافقيا - من التوافق - وإنما «تلافقى» - من التلفيق - وأن الذى أتى به يريد أن يحافظ على البنية المترهلة للمجتمع المصرى، ليتمم خطة إجهاض الثورة، خاصة إذا ما وضعنا فى الحسبان أن معظم الأسماء التى تم الإعلان عنها تتميز بكونها من النوع المطيع، الذى يطيع البرلمان ورجال المال وأولوا الرتب منكم.
إذن فالمرشح «التلافقى» باختصار هو مرشح يرضى المجلس العسكرى بالمحافظة على اقتصادياته السرية التى لا تخضع للمراقبة على انتهاكاته وملفاته الساخنة، ويرضى رجال الأعمال بالحفاظ على النظام الرأسمالى المتوحش الذى يزيد الفقير فقرا والغنى غنا، ويحافظ على رغبات الجماعات المهيمنة على البرلمان بأن يرضى أن يكون «بطة عرجاء» منزوعة الصلاحيات.
لهذا أرى أن فكرة «الرئيس التلافقى» إهانة للمصريين جميعا، واستغفال لهم، ومصادرة لحقهم فى اختيار من يرأسهم، أخطر من كل هذا هو أنه من المستبعد أن يصطدم هذا الرئيس المنتظر مع قوى الرجعية فى المجتمع المصرى، وكيف تصطدم الصنيعة بصانعها؟ خاصة أن هناك ملفا ساخنا من المنتظر أن يتفجر قريبا، إذا ما أتى رئيس على غير هوى المجلس العسكرى أو الأحزاب النفعية، وهو أن يستخدم هذا الرئيس ورقة عدم دستورية وضع الدستور قبل الرئيس، بناء على المادة 189 من استفتاء مارس، ومن ثم يطالب فإعادة كتابة الدستور مرة أخرى، بعد أن يكون المجلس العسكرى قد طبخه مع معاونيه، ومن هنا تكمن أهمية هذا الرئيس «التلافقى» ليعتم على الطبخة حتى وإن فاحت رائحتها.
تسألنى: وماذا نفعل؟
وأجيبك: يسقط يسقط حكم العسكر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة