لا مانع إطلاقا من تشكيل لجان لتقصى الحقائق، ولا مشكلة أن نرى فى كل مصيبة لجنة يتم تشكيلها للبحث فى أعماق الأمور ودلائل الدلالات، لكن المشكلة فى الهدف من تشكيل هذه اللجان وطريقة عملها، هذه اللجان نفسها تحتاج إلى من يتقصى حقيقتها، ويقول لنا فوائدها.
الحقيقة أننا لم نستفد من هذه اللجان فى الماضى ولا فى الحاضر، تذهب وتعود وتقول نفس ما هو معروف، تضعه فى تقرير يتم إعلانه فى مؤتمر صحفى وبعدها صمت كأن شيئا لم يكن.
آخر مثال كانت لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب لبحث خلفيات مجزرة بورسعيد. ذهبت اللجنة وأتت «بالديب من ذيله»، وأصدرت تقريرا قالت فيه كلاما كثيرا، ولم تقل جديدا، اتهمت الأمن بالتقصير والإعلام الرياضى بالتسخين. وهى أمور معلومة بالضرورة، وعلمنا أن بعض أعضاء اللجنة ترك عمله وانشغل بالفضائيات وأعلن معلومات غير صحيحة، وبعضهم تبرأ من التقرير الذى أصدروه، لم تقدم اللجنة جديدا، غير إنفاق المزيد من الأموال، على السفر والتنطيط أمام الكاميرات وفى المؤتمرات الصحفية والبحث عما هو مبحوث.
لجنة أخرى توجهت لقرية شربات فى العامرية بعد تهجير الأقباط، ذهبت متأخرة، بعد «أن وقعت الفأس فى الرأس»، ولا نتوقع أن تضيف جديدا، سوف تستنكر وتكتب تقريرا وتعلن توصيات لن تمنع اشتعال أحداث جديدة فى الشرقية والمنيا والمنوفية لتتشكل لجان تقصى لن تتقصى شيئا.
لجان التقصى البرلمانية لاتختلف عن لجان سابقة فى أحداث كنيسة أطفيح، وحريق كنيسة إمبابة، أو أحداث البالون والسفارة وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء. المشكلة أننا ننفعل بقضية، وبعد أيام ننشغل بقضايا وحوادث أخرى وننسى ما جرى.
هذه اللجان تتشكل لامتصاص الغضب وتستند فى عملها لأقوال وشهادات مرسلة وشائعات، وأحيانا تعمل بوجهة نظر مسبقة، ثم إنها لا تحدد أهدافها أو أدواتها وتقاريرها تقوم على «سمعنا، ونما إلى علمنا، وتردد وقالوا لى». ولا تختلف عما هو مستهلك فى التوك شو، مما يجعلها مجرد تحصيل حاصل.
لقد كانت اللجان تتشكل فى ظل نظام مبارك بعد كل كارثة، وتنتهى إلى إعلان توصيات يتم نسيانها حتى الكارثة القادمة، عرفنا لجانا فى حريق قطار الصعيد وعبارة الموت، وفى الفتن الطائفية. أصدرت تقارير تم حبسها فى الأدراج، ولا تزال نفس الطريقة سائدة.
الهدف من هذه اللجان لايجب أن يكون امتصاص الغضب بل البحث عن الحقيقة، وإعلان ما جرى بالضبط، وكيف حدث، ومن المسؤول عنه، على المستوى السياسى، لأن تحديد المسؤولية الجنائية مهمة النيابة، حتى يكون عمل اللجان إضافة لعمل جهات التحقيق، وليس إعادة وتكرارا لها. دور البرلمان أن يبحث عن الوقاية من الكوارث، بالتشريعات والأفكار لحل القضايا الطائفية جذريا، حتى لا نحرث فى بحر التكرار الممل.