أصبحنا فى حالة ترشح على الذات، وكل فصيل أو تيار أو شخص يتسابق فى البحث عن مرشح يقدمه على سبيل الاحتياط، وسد الذرائع، وادعاء الفهم، وأصبح لدينا مرشحون محتملون ومرشحون منتظرون ومرشحون مدعومون أو متسرسبون.. وبعد شهور كان فيها المحتملون يواصلون مساعيهم أصبحنا أمام وضع مفتوح يزدحم بالأسماء والتوقعات.. ووسط كل هذا الزحام، ظهرت فكرة ما سمى بالرئيس التوافقى الذى بدا من طرحوه كأنهم يسعون لطرح اسم يتم التوافق عليه من التيارات السياسية والأحزاب، ويكون له قبول فى الشارع. لكن الأمر بدا أكثر عمقاً، فقد بدت الفكرة محاولة لتطبيخ رئيس وصناعته، والذين يسعون لذلك هم فى الواقع من يسعون لطرح مرشح يتوافق معهم ومع مصالحهم، ومن هؤلاء الذين يدعمون الفكرة رجال ينتمون للنظام السابق، اقتصادياً ومالياً، وبعضهم سارع فى اللحظات الأولى لارتداء ملابس الثورة، مع أنه كان حليفا لنظام مبارك وزوجته وابنه، وهؤلاء جزء من شبكة مصالح لا يظهر منها الكثير، وهم رأس حربة فى الدفع بما يسمى المرشح التوافقى للرئاسة، والذى يتوافق مع مصالحهم وحماية شبكات علاقاتهم التى تمتد داخل شرايين الدولة والاقتصاد، مرشح يوافق أذواقهم ومصالحهم، وليس مرشحاً يوافق مصالح الشعب، التقطوا الفكرة وعرض بعضهم تمويل الحملة الرئاسية التوافقية، لكن من يطرحون التوافقى يلعبون على تشرذم وتفكك أصاب الحياة السياسية، وتفرغ الكثير من التيارات المتحدثة باسم الثورة للمعارك والخلافات الجانبية.
فكرة الرئيس التوافقى، جاءت بسبب غياب اتفاقات بين التيارات المختلفة على مرشح بعينه من المطروحين خلال الشهور الماضية، وظهور حالة من المبالغة والاستسهال والاستهبال فى طرح مرشحين، وطبعاً من حق كل مواطن فى طرح نفسه، لكن ما جرى خلال الشهور الماضية خلق حالة من عدم التيقن والرفض للكثير من المرشحين، البعض لأسباب موضوعية مثل انتمائه للنظام السابق، والبعض لأسباب إيديولوجية، وكان البديل هو التزاحم فى طرح أسماء بلا استعداد، وبدا أن هناك خلطا بين الفيس بوك وتويتر وبين الإعلام أو الجمهور ومخاطبته، وهى أخطاء يواصل الكثيرون ارتكابها، ولم يتعلموا من أخطاء انتخابات مجلس الشعب التى عجز الكثيرون عن الاستعداد لها.
هناك مأزق أن بعض من يرفضون كل أو أغلب المرشحين المحتملين، يعجزون عن طرح مرشح مقبول، لكنهم يرشحون أصدقاء أو معارف بعضهم مجهول والبعض الآخر ربع معروف، إذا ظهر محام كويس أو طبيب مجتهد أو قاض أو إعلامى أو كاتب أو محلل يتم طرحه للرئاسة، والبعض من المرشحين دارت رأسه بفكرة «المحتمل»، ولا نعرف وسط كل هؤلاء المرشحين، من يلعب دور «المواطن أو الشعب».
هذه الهيصة تسمح بمرور خطط التوافقيين، بينما يبقى الرافضون يطرحون رهانات مختلة لأنفسهم وأصدقائهم، ولا يفرقون بين مرشح حقيقى، ومرشح فضائى من عالم التوك شو.