الربع الأول من أهل مصر مشغول بالكلام عن لحية ضباط الشرطة، بعضهم يسأل عن شكلها، وآخرون يبحثون مدى شرعيتها الفقهية، والوزارة تقوم بالتفتيش فى دفاتر القانون القديمة بحثا عن مخرج تستند إليه فى رفض مطلب الضباط بإطلاق لحيتهم، بينما البعض الآخر من المشغولين بالقضية يطرح أسئلة من نوعية: كيف سيعمل الضابط الملتحى فى مباحث الآداب؟، وهل لو اقتحم شقة دعارة سيطبق على من فيها القانون أم حد الزنى؟، وهل سيقبل الضابط الملتحى أن يدخل «كباريه أو ملهى ليليا» إذا حدثت بداخله معركة ما أم سيخشى الفتنة؟، وكيف سيقبل ضابط ملتحى العمل فى المصايف والشواطئ السياحية حيث البكينى وأفعال السياح وغيرها؟
كل هذا الجدل وأكثر منه يدور حول لحية ضباط الشرطة، رغم أن قبة البرلمان أصبحت تظلل بشرعيتها على مئات النواب الملتحين، هذا بالإضافة إلى أن الوقت الضائع فى الجدل حول علاقة اللحية ببدلة ضباط الشرطة كان يمكن حمايته من الضياع واستغلاله فى إعادة انضباط الوزارة المنفلتة لو احترم الجميع القانون ولجأنا إليه مثلما تفعل الدول المحترمة بدلا من اللف والدوران.
هذا عن الربع الأول من سكان مصر، أما الربع الثانى فهو مشغول تماما بحدوتة النائب زياد العليمى، ومقسوم تماما حول إذا ما كان زياد العليمى أخطأ حينما ألمح بكلماته نحو المشير بأمثلة شعبية تحمل سبابا، وحينما سخر من الشيخ حسان بطريقة غير لائقة، والبعض الآخر مشغول بتحليل ذهاب زياد العليمى لتقبيل رأس الشيخ حسان فى عقر داره وامتناعه عن الاعتذار للمشير، وهل ذهب زياد إلى الشيخ حسان خوفا من قوة وسطوة التيار السلفى، وامتنع عن تقديم اعتذار مماثل للمشير خوفا من أن يخسر شرعيته الثورية كنائب معارض للمجلس العسكرى على طول الخط؟بينما البعض الآخر- وأنا منهم - يطرح سؤالا مختلفا هو: من يدفع فاتورة كل هذا الوقت الضائع من عمر البرلمان فى قضية كانت من الممكن ألا تشغل البرلمان عن معارك الدستور وتشريعات القوانين المهمة لو كان المتظاهر زياد العليمى قد أدرك أن تحوله إلى رجل سياسة أو نائب برلمانى محترم يقتضى أن يستغنى عن الهتافات الحنجورية وشتائم أهل المصاطب ويلجأ إلى نقاش المعلومة بالمعلومة والمنطق بالمنطق.
الربع الثالث من أهل مصر مثل ربعيها الأول والثانى غارق تماما فى متابعة تفاصيل نقل مبارك إلى مستشفى طرة، ولماذا تأخر نقله كل هذه المدة؟، وهل المستشفى صالح ومؤمن فعلا أم لا؟ بينما يسأل أنصار مبارك أسئلة مختلفة من نوعية، هل يجوز أن يتعرض رئيس مصر السابق للإهانة بهذا الشكل؟، وما الذى ستستفيده الثورة إن انتقل مبارك لطرة أو بقى محدد الإقامة فى المركز الطبى العالمى؟، وطبعا لا داعى لأن أخبرك بأن كل هذا الجدل تضيع فيه ساعات كان من الممكن أن تستخدمها الأحزاب والمؤسسات فى خدمة الوطن بشكل أفضل، كان من الممكن أن ينتهى لو لجأنا فقط للقانون؟
أما الربع الرابع من أهل مصر وأهل سلطتها وساحتها السياسية فهم غارقون فى البحث عن معنى أو مفهوم للرئيس التوافقى، الذى هبط فوق رؤوسنا من السماء وأصبح الكل مشغولا بتحديد هويته، بينما البعض الآخر مشغول فى اختراع النكت التى ترفض الفكرة على الطريقة المصرية الساخرة وطبعا كل هذا الجدل الذى شغل الناس عن شكل المنافسة الرئاسية الحقيقية كان من الممكن أن ينتهى لو كف أهل النخبة المثقفة والسياسية فى مصر عن لعب دور الوصاية على الشعب المصرى، والاقتناع بأن المواطن جاهل وقليلة الحيلة، ولابد أن يختار له أهل النخبة الذين لم يدركوا بعد كل هذه الأحداث أن تأثيرهم فى الحياة المصرية أقل من الأثر الذى يحدثه جناح بعوضة يتيمة وتعانى من الأنيميا الحادة.
أنت تسأل الآن.. ومن الذى يفكر فى بناء مصر إذن؟!، من الذى يفكر فى شكل الدستور القادم، وقوانين انتخابات الرئاسة ومشاريع التنمية، وتحقيق مكاسب الثورة؟، وربما كانت فى السطور السابقة إجابات لا ترضيك، ولكنها الحقيقة التى لن تتغير إلا إذا اكتشفنا نوعا جديدا من سكان مصر لم تلوثهم لعبة المصالح والمزايدات والبحث عن البطولات الزائفة والمكاسب الشخصية.. أرجوك دور معى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة