فى أرذل العمر وهو راقد على سريره فى مثواه الأخير خلف القضبان، لم يجد الرئيس المخلوع كلمات أخيرة فى المحكمة قبل النطق بالحكم عليه سوى بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقى والذى يقول فيه: «بلادى وإن جارت علىّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام».
هذه ربما أول مرة يضبط الشعب رئيسه المخلوع وهو يقرض الشعر منذ 30 عاما، فلم نسمعه يتحدث ولو مرة واحدة فى خطبه أو جلساته الخاصة مع المثقفين والمفكرين يردد أبيات الشعر التى حفظها فى مراحل تعليمه الأساسية، أو يحكى لهم عن رواية أعجبته أو كتاب تأثر بقراءته. والحكايات التى رواها بعض المثقفين عن لقاءاتهم به تنم عن عداوة تاريخية وطبيعية للرئيس المخلوع بالثقافة والمثقفين، وذات مرة وقف يتحدث فى معرض الكتاب أحد المفكرين والفلاسفة المعروفين أمامه فى اللقاء الممل الذى كان يصر على انعقاده حتى يبدو أنه رئيس مثقف، وراعى الثقافة الأول، ولم يفهم كلامه المخلوع وقال له: «أيوه أنا بأشبه عليك مش انت بتيجى فى التليفزيون ابقى شوفه يا صفوت». وحكى لى شخصيا الناقد الرائع الراحل الأستاذ رجاء النقاش عندما التقى به فى دار الهلال فى بداية التسعينيات واقترح عليه أن تفصل الآثار عن الثقافة، نظرا لأهمية الآثار فى مصر ودورها فى جذب السياحة. وقبل أن يكمل الأستاذ رجاء قاطعه المخلوع بالقول: «يا رجاء عاوز ايه انت خليت رأسى بقت ملوخيه.. ابقى شوفه يا صفوت».
لم يجد المخلوع سوى بيت الشعر الرقيق والمعبر لأحمد شوقى فى محاولة استعطاف أخيرة لشعبه الذى اعتبره قد ضن عليه وظلمه عندما ثار عليه وحاكمه، ورأى أن مصر العظيمة جارت عليه -يا حرام - وهو لا يدرى فى أى مناسبة قاله شوقى ومتى وكيف تأثر الناس به من غير استعطاف لئيم.
مبارك الذى اكتشف بداخله موهبة الشعر فى خريف عمره، مازال لا يعترف بكل جرائمه فى حق شعبه طوال 30 عاما، ولا يرى فى مصر بترديده بيت شوقى سوى أنها بلاد جائرة وظالمة، ولا يرى فى شعبه إلا صفات البخل والجحود.
هذا هو مبارك حتى فى لحظات غروبه الأخيرة، فاشل حتى فى استعارته للشعر.