فلول نظام المخلوع من المثقفين والإعلاميين وأنصاف المثقفين يعودون إلى الإعلام والحياة العامة بلا خجل أو اعتذار، وهم للحق قطاع كبير شكلوا كتيبة منظمة للكذب والتضليل، تلاعبت بعقول المصريين وزيّفت وعيهم بشأن عظمة سياسات وإنجازات النظام السابق.
فى المقابل كان مبارك سخيا معهم، فمنحهم امتيازات مالية وأدبية كثيرة، ومكّن بعضهم للوصول إلى مناصب أو جوائز، كان من المستحيل منطقيا، وفى ضوء ثقافتهم المحدودة وقدراتهم المهنية المتواضعة، أن يصلوا إليها أو حتى يحلموا بها، وتكفى هنا الإشارة إلى أن بعض المثقفين والإعلاميين حصلوا على رواتب تزيد على المليون جنيه شهريا، فى سابقة لم تعرفها مصر إلا فى عصر مبارك.
باختصار كان هناك إفساد متبادل بين نظام مبارك، وبين المثقفين والإعلاميين المرتبطين به، هم يبررون فساده ويشتغلون بكل حماس وإخلاص لتزييف الوعى العام والكذب الممنهج على الناس وخيانة أمانة الكلمة، ومبارك ونظامه يعملان بلا كلل فى ممارسة الفساد والنهب المنظم لمقدرات مصر.. صفقة مريبة ومربحة للطرفين، لكنها وبكل المقاييس القانونية والأخلاقية جريمة بحق الشعب، وبحق مستقبل الأبناء والأحفاد.
جريمة مكتملة الأركان قاومها الشعب سنوات طويلة انتهت بثورة 25 يناير المجيدة، التى أيدها ورحّب بها كل المصريين، عدا قطاعات محدودة من المستفيدين من نظام مبارك الفاسد، وفى مقدمتهم بالطبع كتيبة الكذب والتضليل، والغريب أن هذه الكتيبة تحاول العودة واستعادة مراكزها الإعلامية والثقافية ـ بعضهم ظل فى مواقعه - تحت دعوى أن موقفهم قبل الثورة يمثل وجهة نظر، يختلف معها الثوار، لكن عليهم أن يحترموها فى ظل المناخ الديمقراطى الجديد!! وأن الرأى يقابل بالرأى ويخضع للنقاش والحوار!! ثم يضيف أصحاب الأقلام الكاذبة كلاما سطحيا حول حقهم فى ممارسة المهن التى يشغلونها، وألا يُحرموا من هذا الحق الإنسانى والمهنى، ما دام لم يثبت تورطهم فى جرائم ضد الشعب.
طبعا من حق كتيبة الأقلام والأحاديث الكاذبة أن تعمل، وألا تسجن أو تعتقل، لأن كل جرائمهم لا ينص عليها القانون، فهى جرائم ناعمة، تتعلق بالكذب الممنهج والتلاعب بعقول وعواطف الناس لتسويق أو بيع نظام مبارك، تماما كما تفعل وكالات الإعلان عندما تكذب على الناس وتبيع لهم سلعه أو خدمة فاسدة.. للأسف لا يعاقب القانون المصرى على هذه الجرائم، وهناك ألف طريقة للتهرب والالتفاف حتى لا تثبت الجريمة. لكنها تظل جريمة أخلاقية وليست وجهة نظر كما يدعى أفراد كتيبة الأقلام الكاذبة.
هل يمكن لعاقل أن يصدق أن كتيبة الكذب والتضليل كانت لا تعرف حقيقية نظام مبارك، أو أنها كانت تعبر عن قناعات شخصية وآراء مستقلة، عندما كان أفرادها يتنافسون فى الدفاع عن التوريث، وتبرير سياسات الخصخصة والتنظير لقمع المعارضة ماديا ومعنويا واتهامها بالعمالة لقوى أجنبية، لكن كتيبة الكاذبين تطالب الآن بما كانت تحرم المعارضة منه!! تطالب بالديمقراطية واحترام الرأى الآخر، وهى أصلا لم تكن تملك رأيا بل كانت تطبل وتزمر لنظام فاسد مقابل أجور ومزايا مغرية.
لا أدعو لمعاملة كتيبة الكذب والتضليل كما كانت تتعامل مع المعارضة التى صارت فى الحكم!! لكن أطالبهم فقط بمصارحة أنفسهم والناس بأنهم ارتكبوا جرائم الكذب والتلاعب بالعقول. وأطالبهم ثانيا بالاعتذار للشعب. وأطالبهم ثالثا بالاستقالة من المناصب القيادية التى يشغلونها، والتقاعد خاصة بعد أن وصلوا إلى سن المعاش. وأطالبهم رابعا بأن يتوقفوا عن لعبة التلون والنفاق وركوب الموجة، لقد صدمت عندما قرأت وشاهدت بعضهم فى قنوات خاصة يتحدث «ببجاحة» عن الثورة والمهام المطلوبة، ثم وبكل «استنطاع» ينصح شباب الثورة، ونواب الإخوان وينظر لهم!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة