وسط حالة الجدل المحتدم والتحليلات والمصارعات حول معركة الرئاسة والدستور والمستقبل، والتفرقة بين النظام الرئاسى والبرلمانى والمختلط، وتوالد الائتلافات والتنظيمات والتركيبات، والدخول والخروج، وهو جدل يبدو بعيداً إلى حد كبير عما يراه المواطنون.
ولا نعرف إمكانية أن تتأمل النخبة ضمن انشغالاتها بالجدل النظرى، وتعبر الفجوة مع الجمهور، من الطبقة الوسطى والأهم من الفقراء وسكان العشوائيات والقرى ورؤيتهم للمستقبل وما يريدونه منه؟.
التفكير فى الدستور مهم جداً بصفته المدونة الأساسية التى تحدد شكل السلطات والفصل بينها، لكن مهما كان الدستور يتضمن مواد حاسمة للحقوق والحريات، ومن دون ضمانات سوف يبقى مجرد «حبر على ورق».
الأهم هو كيف يمكن ترجمة الدستور إلى طعام وشراب وعلاج.
وهذا الفرق بين النظرى والعملى فى الحياة والسياسة، هو الذى يجعل من الصعب على اليسار والليبراليين تحقيق فوز فى الانتخابات فى مواجهة تيارات أخرى تخاطب مطالب الناس البسيطة، حتى لو كان هذا الخطاب جزئيا.
ومن خلال استطلاعات الرأى فى الصحف والتليفزيون مع القرى والأحياء، فإن الانشغال بالمطالب اليومية والخدمات كالعلاج والصرف والطرق ومياه الشرب والرى والتعليم، يتفوق على الاهتمام بالمجادلات النظرية والمماحكات الاستراتيجية.
وخلال حملة «اليوم السابع» لمتابعة أحوال قرى مرشحى الرئاسة والأحياء التى نشأوا فيها، نكتشف أن هذه المناطق مثل كل قرى مصر، تعانى من الإهمال والتردى المعيشى، تفتقد إلى مياه شرب، والمياه إما قليلة أو ملوثة، والصرف الصحى غائب، لا مستشفيات ولا وحدات صحية، وإن وجدت لا تمنح من يذهب إليها ولا حتى الموت الرحيم.
ولو سألت أهل القرى عما يريدونه من الرئيس القادم، سوف يحدثونك عن الصرف ومياه الشرب والرى والطرق والمستشفيات والمدارس، وهذه المطالب بالرغم من وجودها فى الدستور السابق والقادم لن تكون مفيدة من دون نظام عادل، والأمر نفسه مع أعضاء مجلس الشعب الذين ينشغلون بتلبية المطالب البسيطة للمواطنين، مما يجعلهم عاجزين عن ممارسة دورهم التشريعى والرقابى.
والأهم أن تحقيق هذه المطالب يحتاج إلى رئيس مدينة ومجلس محلى، وعلى الأكثر محافظ، وليس رئيس جمهورية، تصور الناس عن الرئيس القادم أنه رئيس مدينة أو قرية يقدم الصرف والمياه ويتابع التعليم والعلاج.
وبالتالى فإن جزءاً من الحل هو أن يكون هناك نظام كامل يعيد النظر فى النظام القائم، بحيث تكون هناك مجالس محلية ورؤساء مدن ومحافظون منتخبون، يقومون بدور الحكومة، وليس مجرد هياكل تتبع الحكومة المركزية، بحيث تعود مهمة البلديات والمدن إلى أصلها، حتى يمكن أن يتفرغ مجلس الشعب لدوره فى التشريع والرقابة، والرئيس لدوره فى السلطة التنفيذية.
وبناء هذا النظام يحتاج إلى إعادة تكوين المحليات بالشكل الذى يجعلها تحت رقابة شعبية، وقادرة على محاسبة المسؤولين، وفى هذه الحالة يمكن للرئيس أن يكون رئيسا للجمهورية وليس رئيسا لمجلس المدينة.