مفارقات عالم السياسة ما بعد الثورة.. أن الأعلى صوتاً هم الأقل إنجازاً، وأن الأكثر انشغالاً بانتخابات الرئاسة هم التيارات التى لم تحقق نتائج كبيرة فى انتخابات مجلس الشعب، يضاف إليها أن النشطاء وأعضاء التيارات السياسية الجديدة هم الأكثر مناقشة لفكرة مقاطعة الانتخابات الرئاسية. فى المقابل فإن الأحزاب والتيارات التى حصلت على الأغلبية فى الانتخابات الشعب والشورى هى التى تفكر أكثر فى انتخابات المجالس المحلية وتخطط لها بينما الائتلافات والأحزاب والتجمعات والاختراعات لا تبدو منشغلة، وفى الوقت الذى ترهق نفسها فى الجدل والإجابات عن أسئلة غير مطروحة فإنها لا تسعى للتعرف على السياسة عن قرب والتعرف على المواطنين والجمهور وعدم الاكتفاء باتهام الشعب أنه لا يفهم.
وقد أثبتت التجربة أن الشعب يتفاعل مع من يتفاعلون معه ويتجاهل مع من يتعاملون معه بتعالٍ، وبعض الذين يتحدثون عن غياب الوعى الانتخابى هم أول من يعجز عن الوصول للناس كسلاً أو تعالياً، ولا يبذلون جهدا لتقديم أنفسهم ويسارعون عند كل خطوة إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات. والمثير أن من يتهمون الشعب بعدم الفهم هم الأكثر دفعا للترشح للرئاسة، وهو أمر يكشف تناقضات فى تصوراتهم عن العمل السياسى، فهم يركزون عملهم فى القاهرة ويتجاهلون أقاليمهم، ويبالغون فى الحديث عن السياسة من دون أن يمارسوها، وإن فعلوا، يفعلون ذلك بطريقة جافة، لا تتجاوز رد الفعل أو تنظيم حملات دعائية سلبية من دون أن يسعوا لدعم عملية التوعية وتطوير الأداء السياسى.
لكن من حسن الحظ أن هذا، وإن كان دأب ائتلافات وتجمعات صغيرة فى القاهرة، فإن هناك شبابا فى المحافظات والأحياء والقرى يسعون للعمل والتحرك بعيداً عن كاميرات الإعلام، ويحاولون تشكيل تنظيماتهم لمواجهة المشكلات. هم ليسوا نجوماً مثل باقى زعماء التوك شو، لكنهم شباب آمنوا بالثورة، ولديهم رغبة هائلة فى العمل والتغيير، وإن كانوا يحتاجون إلى مساندة إعلامية وسياسية لأنهم الطاقة السياسية البديلة، التى تمثل رصيداً للمستقبل.
التغيير لن يتم فقط بالدعاية، لكنه يتم بالعمل على الأرض ووسط الناس، والوصول إلى المجالس المحلية مع الضغط لتغيير نظامها وقانونها، وإنهاء اللامركزية والتكلس والفساد وجعلها أداة الرقابة ومراقبة تنفيذ التشريعات التى يصدرها مجلس الشعب.
وبدون ذلك سوف يبقى الحال على ما هو عليه الآن، من جدل عقيم ودعاوى للمقاطعة، وحديث نظرى عن الثورات والتغيير، من دون التمييز بين النظرى والعملى، أو التهافت على الدخول فى منافسات خاسرة، وترك المنافسات التى يمكن أن تكون مفيدة. والسبب هو التعالى عن دور المواطن الفاعل الذى يمثل الطاقة البديلة للتغيير. نحن فى حاجة إلى سياسيين وليس إلى نجوم، بشر وليس ملائكة، بشر يصيبون ويخطئون ويجربون ويشاركون، قبل أن يطالبوا بالمقاطعة. هؤلاء هم الطاقة السياسية البديلة لكل هذا الشو.