ما جرى فى بورسعيد مجزرة تحتاج إلى أن يعيد كل طرف حساباته.. مجزرة كانت متوقعة، والخلاف على عدد الضحايا. وكما هو متوقع، فإن كتاب «ردود الأفعال»، يتضمن الردود النموذجية لكل طرف.. الذين مع نظرية المؤامرة سيتهمون الطرف الثالث، والمجلس العسكرى سيتهم طرفا غامضا، والحكومة ستتهم غيرها، والذين ضد المجلس العسكرى يتهمون المجلس، ومن ضد الإخوان يهاجمون الإخوان، والذين ضد الألتراس ينتقدون الألتراس، والذين ضد الشعب يهاجمون الشعب. وفى زحام الشماعات والمزايدات، لن نعرف من خطّط وسخّن وحرّض وقتل، لينتهى الأمر بمجزرة.
لايوجد طرف يقول الحقيقة كاملة، سيكتفى كل طرف بكاميرا واحدة تؤكد نظرياته. ويبحث عن أقرب شماعة يعلق عليها الآخرين.
طبعا المجلس العسكرى، والحكومة، والداخلية، المسؤول الأول لأنهم سمحوا بمباراتين وسط جمهور كثيف، دون استعدادات أمنية.. كان يمكنهم نقلها أو عقدها بدون جمهور أو تأمينها. القوات المسلحة والشرطة نجحتا فى تأمين انتخابات حضرها ملايين، وعجزا عن تأمين مباراة يحضرها عشرات الآلاف. خاصة أن المباراة جاءت وسط حالة انفلات، سرقات مسلحة لبنوك وشركات، وقطع طرقات، كأنه مخطط مرسوم لفوضى مقصودة.
على المجلس العسكرى أن يكف عن اتهام طرف ثالث أو غامض، أو يقدم هذا الطرف مصحوبا بالأدلة والقرائن، وحتى ذلك الوقت، سيظل متهما بالتخطيط للبقاء. لم نر الطرف الثالث فى أحداث السفارة، وماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء.
ولايمكن أن نبرئ كل من ساهم بالشحن والتسخين، وجعل المباراة حربا يقودها المتعصبون، وعلينا أن نتذكر كيف تحولت مباراة مصر والجزائر إلى حرب بين المصريين والجزائريين. فى حكم مباركا وقعت معارك وهجمات من ألتراس أو متعصبين. ربما لايكون الألتراس لكن بينهم متعصبين. سبق ورأينا معارك مختلفة، يفترض أن يتذكرها من يحاولون تبرئة المتعصبين من المسؤولية.
ولا ننسى دور الفضائيات والإعلاميين الذين مهدوا للحرب، بين المصريين فى بورسعيد. ويقتاتون على الدم مثل مصاصى الدماء. لقد سجل أحد مشجعى الأهلى قبل موته على فيس بوك يتوقع القتل، هل كان يعرف أنه ذاهب لساحة حرب، من جعلها ساحة حرب؟
ولايمكن تبرئة المتعصبين من الطرفين. ونحن نسمع ونقرأ تصريحات تدعو للثأر، مع أن القاتل والقتيل مصريون، ممن الثأر إذن؟.. التعصب يقود إلى كوارث فى الكرة أو فى السياسة أو فى العقيدة. التعصب يعمى البصر والبصيرة ويغذى الكراهية، وكان أداة الإرهاب دائما. وحتى لو كانت هناك مؤامرة.. فالتعصب هو أداة تنفيذها.
القاتل والقتيل «قابيل وهابيل» ضحايا التعصب والمؤامرات التى يخطط لها طامعون فى الحكم، أو رابحون من الفوضى.
ربما على جميع الأطراف فى البرلمان، والحكومة، والمجلس، والأحزاب، أن تتوقف عن المزايدة، وإلقاء المسؤولية على آخرين، وأن تكون هناك مصارحة، يتحمل كل طرف مسؤوليته. بدلا من البحث عن شماعات.