وكأن كل واحد منا فقد أخا أو ابنا أو حبيبا، علامات الاستفهام تطعن الرؤوس، والشكوك تدور فى كل الاتجاهات، ما الذى حدث لتنقلب مباراة كرة قدم إلى مجزرة بهذا العنف؟!، 73 إنسانا قضوا حتى الآن، ومئات المصابين فى حالة حرجة، قابل النادى الأهلى نادى المصرى مئات المرات، والجميع يعرف ما بين هذين الناديين من مشاحنات، لكنها تطورت فجأة لتثمر عن عشرات الشهداء ومئات الجرحى، لو كانوا ماتوا فى موقعة حربية لكان الأمر مفهوما، ولو كانوا قد تعرضوا لعملية إرهابية تقليدية لوجدنا من نشير إليه بأصابع الاتهام، والقول بأن الأمر مدبر بتخطيط من إحدى مؤسسات الدولة كارثة، والأكثر كارثية أن يكون الأمر تلقائيا أو غير مدبر من جهات عليا، لأن ذلك يدل على قابلية هذه الفاجعة الإنسانية للتكرار.
حتى الآن فإن عدد شهداء أمس الأول فى بور سعيد يعادل خمسة أضعاف شهداء مدرسة بحر البقر، وما يقرب من عدد شهداء مذبحة قانا، وأيضا ما يقرب من ضعف عدد شهداء مذبحة الحرم الإبراهيمى، فكيف تغمض لنا عين ونحن نعلم أن الذين قتلوا مصريون بسطاء ضعفاء، وكيف لنا أن ننام ونحن نعرف أن قاتليهم مصريون مثلهم، وفى ماتش كرة قدم!.
لا أعرف ما هو موقفك من الألتراس وأسلوبهم فى التعبير عن أنفسهم، وقد كنت مثلك لا أفهم أبعاد هذه الحالة الفريدة من التآلف والتنظيم بين أفراد الألتراس، لكن ما إن أتى الخامس والعشرين من يناير 2011، حتى تعرفت على هذه الجماعات عن قرب، وكانت البداية فى ظهر اليوم الأول للثورة، إذ كنت مع صديقى الكبير جمال العاصى أحد أكبر صحفيى الرياضة فى مصر ورئيس تحرير جريدة الطريق آنذاك، نشارك فى التظاهرة الكبيرة بشارع البطل أحمد عبدالعزيز، وكان المتظاهرون يتقدمون نحو «العاصى» مصافحين ومعجبين متبادلين الحديث على عجل، فسألت العاصى: هل تعرف هؤلاء الشباب، فقال لى: هؤلاء من الألتراس، ولا أعرفهم شخصيا لكنهم يعرفوننى لأننى أدافع عنهم وأقف فى صفهم ضد سماسرة الإعلام.
كان الألتراس منذ اليوم الأول للثورة سواء كان (أهلاوى أو زملكاوى أو مصراوى) هم «الشباب الطاهر» الذى تغنى الإعلام بهم وبتحضرهم، فى الميدان رأيتهم أفرادا وجماعات، يشكلون خط الدفاع الأول وحائط الصد أمام أى هجوم، هم أول من دخلوا ميدان التحرير، وأول من حماه من البلطجية أو الداخلية، وهم أبطال موقعة الجمل الحقيقيون، وهم فتوة الناس الغلابة الذى يظهر فى وقت الأزمات ويختفى فى وقت المغانم، وهم روح الوطنية الطيبة التى قد تختلف مع درجة حماسها لكنك لا تملك إلا الإعجاب بها وقت المصاعب، والبكاء على أبطالها وقت النكبات.