بداية، أنا غير مقتنع بأن يترك خيرة شباب مصر ميدان التحرير ويذهبوا إلى الشوارع المتفرعة منه، سواء تلك التى تؤدى إلى وزارة الداخلية أو إلى مجلس الوزراء، وأرى أن الذهاب إلى هذه الشوارع والاشتباك مع قوات الشرطة المرابطة هناك لا يصب إلا فى مصلحة الشرطة التى تريد أن تهرب من عارها فى بورسعيد بأن تظهر فى آخر الأمر فى صورة الضحية، وهى المجرمة بلا ريب، وهى التى تتحمل ذنب إراقة دماء 73 شابا مصريا، لكننى مع ذلك لا أقدر على لوم هؤلاء الشباب الغاضب الذى رأى إخوته يقتلون أمام أعينهم ويئسوا من لجان تقصى الحقائق التى تحتاج إلى لجان تقصى حقائق أخرى للكشف عنها وعن نواياها ونتائجها.
لا يعنى هذا أننى أبرر الخروج من الميدان بدافع الغضب، لكنى أيضا لا أغفر لمن يستسهلون ضرب الشباب بالرصاص والخراطيش بحجة أنهم يعتدون على وزارة الداخلية، والحل من وجهة نظرى أن يستوعب «الكبار» غضب الشباب ويقدروه، عبر محاولات التهدئة المتكررة التى يجب ألا نيأس منها لأنها تريد أن تحافظ على حياة هؤلاء الأشراف، وما أغلاها من حياة.
المثير فى الأمر أن الداخلية هى التى كانت لا تريد للتهدئة أن تنجح، وتم الاعتداء على كل
من يحاولون تهدئة الشباب والوقوف كدرع بشرية بين إخوتهم والرصاص، منهم العديد من شيوخ الأزهر والنائب مصطفى النجار والشاب محمد القرش الناشط بحركة «مصرنا» الذى اعتقلته الداخلية بتهمة إثارة الشغب، وهو الذى خرج من بيته لوقف الاشتباك، وقد رأيت بعينى منذ ثلاثة أيام كيف يئد مجرمو الداخلية أية محاولة للتهدئة، فلأنى لا أصدق إلا عينى ذهبت إلى شارع الشيخ منصور مع صديقى محمد عبود المدرس المساعد بجامعة عين شمس والصديق الصحفى يحيى وجدى، وفى الساعة الثانية من صباح يوم الخامس من فبراير أوقف الشباب الاشتباك من تلقاء أنفسهم وهتفوا «سلمية»، واستمر هذا الوضع حوالى نصف ساعة حتى تجمع آلاف الشباب مكتفين بالهتافات، فما كان من الشرطة إلا أن هجمت بوحشية على الشباب بكل أسلحتها من قنابل وخراطيش، ما أسفر عن إصابة حوالى عشرين شابا، ليعلن الشباب بعدها كفرهم بـ«السلمية».
كل هذا كوم وإنكار مجلس الشعب لاستخدام الخراطيش كوم آخر، فكيف يصدق نواب الشعب الداخلية ويكذبون أعينهم؟ وكيف يصاب نقيب الأطباء ويقتل العديد من الشباب بالخراطيش وبعدها نجد أغلبية نوابنا ينكرون استخدامها، ما يؤكد أن مجلسنا الحالى «المنتخب» لم يختلف كثيرا عن مجلسنا السابق «المزور»، وهو ما يعنى أيضا أنه لو مات خالد سعيد الآن فمن المؤكد أن نوابنا سيعتبرونه «شهيد البانجو».