بعيدا عن هلفطة «المهلفطين الدستوريين» الذين انتشروا فى الآونة الأخيرة فى الفضائيات بعد أن راحوا يبحثون لأنفسهم عن مقاعد وثيرة فى الصف الأمامى لقيادة ثورة شعبية لم يشتركوا فيها إلا بالاختباء فى بيوتهم طوال أكثر من ثلاثة عقود، أو بحمل المباخر لحاكم فاسد كان أبسط منجزاته وآخرها هو «توريث» ابنه حكم الدولة محتكرا كل سلطة الدولة الفاسدة التى كانوا قد شاركوه فى احتكارها سواء بالصمت الذليل الخانع أوبالتنظيرات الكريهة التى أودت برأس دولتهم ذليلا مخلوعا إلى سجن طرة، إلى أن اندلعت الثورة المجيدة حيث اندفع «المهلفطون الدستوريون» خارجين من جحورهم يتقافزون فى رشاقة البراغيث أمام كاميرات الفضائيات ويظهر أحدهم مؤخرا فى مجلس الشعب ليصرخ بأن الثورة والثوار لا يسعون لاستمرار الثورة بل يسعون إلى «إسقاط الدولة».
وبعيدا عن هذه الهلفطات وببساطة شديدة ننظر للمسألة على هيئة سؤال فى غاية البساطة: «هل الثورة والثوار يسعون لإسقاط الدولة أم إلى تطهير الدولة؟»، فمنذ ابتدع الإنسان فكرة تنظيم نفسه فى مجتمعات ومع تطور الحضارة الإنسانية فقد اخترع لنفسه كيانا اجتماعيا لحماية كل أعضاء المجتمع «الكيان» الذى يعيش فيه، والمحافظة على جميع أفراد «المواطنين»، هذا الكيان «المجتمع»، بغض النظر عن القومية والدين والمعتقد والفكر والثقافة، وأطلق مصطلح «الدولة المدنية» على هذا الكيان الاجتماعى، وارتضت البشرية جمعاء على أن هذا الكيان الاجتماعى المتحضر «الدولة المدنية» يقوم على أعمدة صلبة لا مجال للعبث بها أو إهمالها والتغاضى عن أحدها، وهذه الأعمدة «المبادئ» هى: السلام، التسامح، قبول الآخر، المساواة فى الحقوق والواجبات، حيث إنها تضمن حقوق جميع المواطنين، بحيث يكون العمود الأساسى الذى يقوم عليه بناء «الدولة المدنية» ألا يخضع أى فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر، ولذلك كان لا بد من سلطة عليا يلجأ إليها المواطنون عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك وما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية.
كما أن فشل التنمية البشرية فى الدولة هو الآخر أحد أهم أسباب فساد سلطة الدولة، فإذا كان مفهوم الديمقراطية يعنى فيما يعنيه حق المواطن فى المشاركة فى اتخاذ القرارات فى الشؤون العامة بما يلزم بوجود التعددية السياسية الحقيقية، والإعلام الحر المحايد، وسيادة مبدأ فصل السلطات وحقوق الإنسان ومبدأ الاعتراف بالآخر، بحيث يصبح الموطن مسؤولا فى اتخاذ القرارات المهمة فى الشأن العام، إما بالقبول أو بالرفض، أما من حيث التنمية البشرية، فيكون المقصود من التنمية هو تنمية المواطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا، ولقد فشل نظام الدولة التى كان يتسلطن عليه الذليل المخلوع أكثر من ثلاثة عقود ظهر فيها جليا لجميع المواطنين «الشعب المصرى» فشل هذه السلطة فى التجربة الديمقراطية والتنمية البشرية، وكذلك فشلها السياسى فى الفساد الإدارى المستشرى لترسيخ السلطة التقليدية، وتعليم متخلف، ودخل فردى فى أدنى المستويات، ودرجة الأمية المنتشرة فى الوطن كله، وخدمات صحية منعدمة، من هنا كان مصطلح «إسقاط الدولة» مجرد قنبلة مسيلة للدموع لتنفجر بغازاتها السامة فى عيون الشعب المصرى كله لتخفى عنه حقيقة مصطلح الثوار «تطهير الدولة»، وسوف يحاول «المستبد الجديد» الذى يتكون من العسكر المتحالفين مع الإخوان المسلمين والليبراليين والجهاز البيروقراطى العفن أن يفزع الشعب المصرى وأن يعمى عينيه بقنبلة الغاز المسيل للفزع المسماة «إسقاط الدولة» حتى لا يرى الشعب المصرى حقيقة جوهر ثورة الشعب المصرى المسماة «تطهير الدولة».