لا شىء مريح على الإطلاق فى تفاصيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومعاييرها التى تتخبط يمينا ويسارا على حسب كل تيار سياسى وهواه..
عدم الراحة الذى ينبعث من تحول معركة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إلى خناقة أرقام وأعداد بين الأحزاب المختلفة، أعاد إلى ذهنى تفاصيل ذلك الفيديو الذى انتشر وقت التعديلات الدستورية فى مارس 2011، وتظهر فى بدايته فتاة «مش ولابد»، يصحبها صوت يقول: «يعنى تبقى واحدة طول عمرها دايرة على حل شعرها»، ثم تظهر نفس الفتاة بفستان الفرح ومن خلفها عريس، يصحبهما صوت يقول: «وبعملية بسيطة النهارده عاوزين يجوزوهالك.. بيتهيألى إنت تستحق أحسن من كده!.. قول لأ لتعديل الدستور»... أتذكر هذا الفيديو الآن وأنا أشاهد الجدل الدائر حول من سيضع الدستور، فأجدنى مدفوعا للصراخ بكلمة «لا» للطريقة التى يتم بها تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
رأى صناع هذا الفيديو واضح طبعا، بل ربما يكون أوضح وأوقح مما تتوقع، ولكنه فى النهاية يعبر عن قطاع عريض مستاء من اختيار واضعى الدستور على أساس الكم وليس الكيف، هل يعقل أن تكون المعركة الدائرة الآن فى الوسط السياسيى خاصة فقط بنسبة تمثيل كل تيار داخل الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور؟، هل يعقل أن تكون كل المعايير التى نضعها من أجل اختيار واضعى دستور مصر الجديد معايير رقمية وعددية.. يقول الإخوان: «أن تكون %40 من أعضاء البرلمان، والباقى نختاره من النقابات والشخصيات العامة».. بينما يقول السلفيون: «أن تكون %60»، بينما يرى آخرون أن تكون كاملة من داخل البرلمان؟.
هل يعقل ألا يتكلم أحد عن المواصفات الشخصية المطلوبة فى العضو الذى سيضع دستورا جديدا لبلد يسعى نحو التقدم والنهضة؟ هل يعقل يا سيدى أن نختار واضعى دستور مصر على طريقة الكوتة التى كنا نسخر منها فى زمن النظام المخلوع؟ بالله عليك هل قرأت يوما فى تاريخ دولة محترمة أنها وضعت دستورها أو قامت ببناء مستقبلها على طريقة شوية من هنا على شوية من هناك؟ ألا تخشى من نتائج الحكمة المصرية الشهيرة التى تقول إن العدد فى الليمون؟!
كل الأكاذيب والأداءات البرلمانية الباهتة التى عشناها الفترة الماضية تدفعك دفعا ألا تصدق كل تيار سياسى حينما يخبرك بأنه لا يهدف من وراء التركيز على الكم وعدم الاهتمام بطبيعة وثقافة وإخلاص العضو المختار لوضع الدستور، إلى السيطرة على الجمعية التأسيسية، لأن هذا ليس زمن النوايا الحسنة، وللأسف هذا الشعب متمرس فى مسألة حسن النوايا هذه، ويدفع دائما ثمنها غاليا، ففى عام 1971 قال الشعب وقالت النخبة إن السادات طيب وساذج وهنضحك عليه بسهولة، ووعد السادات بأنه لن يبقى فى الرئاسة أكثر من مدتين، ونام الشعب فى حضن نواياه الحسنة حتى طغى السادات، لدرجة أنه فكر فى اعتقال مصر بأكملها، وفى 1981 قالوا إن مبارك طيب ورجل روتين وموظف بسيط يسمع بإنصات، ووعد بعدم تمديد فترة رئاسته عن مدتين، ونام الشعب فى حضن نواياه الحسنة مرة أخرى، حتى طغى مبارك ولزق فى الكرسى لمدة 30 عاما، ولم يخرج سوى بدم أكثر من 400 شهيد.
هل رأيت ما الذى يفعله تأجيل عمل اليوم إلى الغد؟، هل رأيت نتيجة النوم فى حضن النوايا الحسنة؟، الأمر بسيط يا صديقى، وملخصه يقول: خريطة طريق واضحة ومحترمة ومقنعة لوضع دستور مصر الجديد فى اليد خير من ألف وعد إخوانى أو سلفى أو وفدى أو ثورى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة