من الصعب على الدكتور أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى، تغيير 48 رئيس تحرير «الذين يستحق معظمهم التغيير»، كما صرح الأسبوع الماضى للأهرام، ليس تشكيكًا فى شجاعته، ولكن لأنه «استعجل» إظهار مهاراته فى التعامل مع ملف معقد مثل ملف المؤسسات الصحفية القومية، التى تضم ثلثى المشتغلين فى المهنة، أى 4500 صحفى فى 148 إصدارًا ويغطون %75 من توزيع الصحف فى مصر، رغم تأكيده أنه لا يقصد سيطرة الإخوان على الإعلام. الرجل حاول أن يرفع من شأن المجلس الذى يرى كثيرون أنه «زى الترمس النى .. حضوره يشبه غيابه»،
المجلس الذى ذهب لاختيار أعضائه %7.2 من الناخبين، ولا أحد يعرف مصيره فى الدستور الجديد، على فتح الباب «زعيم الأغلبية فى الشورى» نفى خصخصة المؤسسات الصحفية وضرورة هيكلتها لتحقيق الربح، وقال لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن مبدأ البيع مرفوض من البداية «إلا إذا كان الأمر لا مفر منه!»، سبقهما فى أول فبراير الدكتور محمود غزلان المتحدث الإعلامى للإخوان عندما طالب فى الأهرام بتحويل المؤسسات القومية إلى شركات قابضة، تتفرع عن كل منها شركات مساهمة، وكل شركة تملك صحيفة أو أكثر،
ويتم تقييم كل شركة، وتقسم القيمة إلى أسهم، تعرض أولاً على العاملين فى كل مؤسسة بالشراء المباشر، أو بالتقسيط، ثم تطرح الأسهم الباقية للاكتتاب العام، رغم علمه بأن تمليك العاملين سيؤدى إلى تفتيت الملكية بالتوارث، وقال إن التيار اليسارى هو الذى سيطر على الصحف بعد تأميمها، ولهذا تدنى مستواها وتم إبعاد الصحفيين الأكفاء، وهذا كلام لا يليق عن فصيل سياسى وطنى قدم للصحافة والثقافة والفكر والفن وجوهًا عبرت عن مصر المبدعة الحديثة المتسامحة، وهاجم الصحف الخاصة أيضًا التى يمتلكها رجال أعمال «تحوم حول بعضهم علامات استفهام»، بالطبع نعرف هؤلاء ونعرف أنهم - مع أصحاب معظم الفضائيات - تم تسمينهم على يد مبارك، ولكن هذه الصحف نجحت فى تحريك الشارع وانتزعت مساحات من الحرية من أنياب السلطة، وفتحت صفحاتها أمام الإخوان قبل غيرهم، وصدرت بشكل قانونى، وساهم الصحفيون فى نجاحها. نحن نعلم أن برنامج الإخوان ليس معاديًا للرأسمالية، ويحترم الملكية الخاصة، وكان من الممكن الحديث عن محاسبة المخطئ بالقانون، الإعلام بشكل عام هو مشكلة الإخوان وحزبهم، لأن العمود الفقرى للجماعة الصحفية يرى مستقبل مصر فى الحداثة، وأنه لن يتوقف عن كشف حيل أى فريق يلعب لمصلحته على حساب الثورة، طبعًا يوجد فساد وشراء ذمم فى المهنة تمامًا كما حدث فى المهن الأخرى، ولكن غالبية الصحفيين يعانون مثل رجل الشارع، الإخوان كسبوا مجلسى الشعب والشورى، ولكن الارتجال الصحى الذى بثته الثورة فى صناعة الصحف يتعارض مع منطق الوصاية وامتلاك الإجابات النهائية على الأسئلة الملحة التى لا تنتهى، الأصوات الثلاثة التى عبرت عن فكر «الجماعة» لا تعرف «أو تعرف» أنه تم تشكيل لجنة لاقتراح مواد فى الدستور الجديد تتعلق بالصحافة،
من بينها اقتراح بالنص فى الدستور على «أن تكون المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب السياسية باعتبارها ملكًا لكل التيارات، على أن تضمن الدولة عدالة توزيع الأدوار، ويقوم عليها مجلس أعلى يضمن لها الحرية، وأن تدار على أسس مهنية واقتصادية رشيدة»، لأن تبعيتها لمجلس الشورى - الذى لا يعرف أحد مصيره - سيجعل الولاء للحزب الذى فاز وليس للقارئ، وكأن الثورة لم تفعل شيئًا، الجماعة كان ينبغى أن تدفع بمتخصصين من أعضائها ذوى سمعة علمية طيبة، مثل النائب سليمان صالح «عن شمال سيناء» لأنه خبير فى هذا المجال، وأن يعرفوا أن للصحفيين نقابة لا يجوز تجاوزها، فى أمر يخص مستقبل أعضائها.