خيوط العنكبوت التى نسجها نظام مبارك حول روح مصر، رغم تعقدها، فإنها إلى زوال وتفكك.
الدولة البوليسية التى كانت ذراع الأمن فيها تدير كل شىء سقطت وإلى الأبد، أسقطها تحرر المصريين من الخوف فى ميدان التحرير.. الرئيس الفرعون الذى يقول: «أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى» لن يعود ثانية، والرئيس الإله الذى يقول «ما علمت لكم من إله غيرى»، قد سقط. إننا فى عصر أنسنة الحاكم، أى نزع الصفة الاستثنائية له، وجعله إنسانا عاديا.
الرئيس المؤبد فى السلطة الذى يستمر فيها طوال العمر، ولمدة ثلاثين سنة، لن يكون ثانية، فقد صار لدينا الآن صندوق للانتخاب، وهذا الصندوق هو الذى يتم تداول السلطة من خلاله، فلا حاكم ولا رئيس مؤبد.
هواجس التوريث ونزع صفة الجمهورية عن مصر لن تأتى ثانية أبدا، فنظم الاستبداد هى التى يتقلص حجم الوطن فى عينها ووجدانها إلى حد اعتبارها تراثا وملكا خاصا من الممكن توريثه للأبناء، فلن يُورث المصريون ثانية بعد اليوم.
الحزب الحاكم الذى يسيطر على الأغلبية المطلقة، ويختصر وظائف البرلمان إلى التصديق على ما تريده الحكومة والسلطة التنفيذية، لن يكون ثانية، فالبرلمان لابد أن يستعيد هيبته بحيث يقوم بوظيفته.. الرقابة الحقيقية على الحكومة، وبحيث يقوم بسن التشريعات التى تضبط عمل الأمة.
القضاء الذى تتغول على استقلاله السلطة التنفيذية، والتدخل فى إصدار أحكامه، كما حدث فى رفع الحظر عن سفر الأمريكيين، وانتهاك كرامتنا الوطنية، لن يكون مرة ثانية، فقضاؤنا هو ضمير الأمة، واستقلاله هو جوهر كرامتها وعنوان حريتها، ومن ثم لابد من استقلاله الكامل. التبعية للخارج والتأثير على القرار المصرى بسبب المعونات لن يقبله المصريون بعد الثورة، ومن ثم فإن ما جرى من الرضوخ والانحناء للضغوط الأمريكية من جانب المجلس العسكرى، أو من جانب حزب الحرية والعدالة، لن يمر مرور الكرام، ولن يقبله المصريون، ولن يسكتوا عنه. الرأى العام المصرى لن يصبح جزءا سلبيا فى المعادلة السياسية والاجتماعية، بحيث يتحول إلى مجرد مفعول به من جانب السلطات الحاكمة من خلال التلاعب بمشاعره وعواطفه واستثارتها وإثارتها بتفجير قضايا ليست حقيقية، فوعى الرأى العام وحريته سيجعلانه أحد أهم مدخلات تشكيل السياسة فى عصر الثورة، خاصة أن هذا الرأى العام قد عرف طريقه إلى التحرير، ومن ثم فإن هذا الرأى العام ينتقل من السلبية إلى الإيجابية، وإلى الفعل.
الأجيال القادمة فى الجامعات والمدارس ترفض أن يحجر أحد على اهتماماتها العامة والسياسية، ومن ثم فإن تعليمات السلطة بعدم اشتغالهم بالسياسة لن يجدى فتيلا، نحن أمام أجيال جديدة ترفض أن تكون على الهامش، هى تريد أن تكون فى قلب العملية الاجتماعية والسياسية. مصر تتغير، والدستور والرئيس والحكومة والبرلمان والأحزاب جميعا عليهم أن يجعلوا هذا التغيير فى قلب مشروعاتهم، وقوى الثورة المضادة عليها أن تعرف أن قوة التغيير أقوى منها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة