إحنا أساتذة فى اختراع المعارك التى تشغلنا عن القضايا الهامة والمصيرية، ومثلما نجرى الآن خلف كل شىء وأى شىء متجاهلين دستور مصر الجديد السلاح الوحيد لنقل هذا الوطن إلى حيث رحابة الديمقراطية، نعيش فى زحمة الانتخابات ومعارك البرلمان والتوك شو، متجاهلين أو مجبرين من قبل إعلام غريب ودولة لا تجيد ترتيب أولوياتها أزمة حوض النيل ونصيب مصر من المياه المعرض للنقصان فى زمن ستصبح فيه المياه هى العزيز الغالى على الأرض، كما تقول أغلب الدراسات العلمية فى هذا الشأن.. والواضح من خلال أحداث السنوات الأخيرة من حكم مبارك أن بعض المحاولات المصرية لحل الأزمة مع دول حوض النيل قد باءت بالفشل، بدليل أنه لا وزير ولا مجلس عسكرى ولا حكومة يملكون إجابة واضحة وصريحة على سؤال: ما هو مصير مصر فى ظل تهديدات دول حوض النيل والكلام الدائر حول اتفاقية عنتيبى؟
الدولة فى مصر منذ عهد مبارك تسوق على استحياء، كما يحدث كل مرة أن الأزمة محلولة، وأن سلاح التاريخ ومسألة الريادة المعروفة يمكن استدعاؤها للمساهمة فى حل المشكلة، أو أن ضخ المزيد من الاستثمارات فى إثيوبيا وكينيا وأوغندا قد يفلح فى تأجيل رغبات تلك الدول بتقليل حصة مصر من المياه، ولكن تبقى هذه الحلول مؤقتة! ربما لأنها تشبه الرشوة المقنعة، أو ربما لأنها تأتى على خلفية من التعالى لم تعد مقبولة لدى دول تغيرت الأوضاع داخلها بفعل ما تضخه دول كبرى مثل إيران وإسرائيل والصين وتركيا من الأموال والاستثمارات فى بنيتها التحتية وحاضرها ومستقبلها المالى، بحثاً عن دور ريادى وتأثير إقليمى فى ظل انشغال مصر بأمور أخرى أغلبها يتعلق بكيفية ضمان بقاء النظام الحاكم.
هل بقى من التاريخ شىء يمكن استدعاؤه للتأثير على إثيوبيا وكيينا غيره؟.. أعتقد أن نظرة واحدة على ما تقوله صحف تلك الدول عن الأزمة كافية بأن يجعل إجابة هذا السؤال بـ«لا».
إذن لابد من أن نأخذ الطريق الدائرى، والطريق الدائرى هنا يعنى السرعة فى التأثير على تلك الدول التى تلعب فى منطقة حوض النيل، التأثير بالتاريخ وبالثورة والتطلع للمستقبل والمال والصفقات السياسية على إيران وإسرائيل والصين وأمريكا وتركيا.. المصلحة تقتضى أن نفعل ذلك بعد أن أصبح قرار دخول المنافسة مع هذه الدول فى حوض النيل غير فعال، لأنه جاء متأخراً جداً، ولأن هذه الدول سبقتنا بأميال.
ولأن أزمة المياه ليست أمراً هيناً، ولأن موقف دول حوض النيل تجاه تقليل حصة مصر يبدو فى هذه المرة أكثر جدية أعتقد أن مصر يجب أن تقدم الكثير، ولحسن الحظ أننا فى مصر نملك ما نستطيع مساومة هذه الدول عليه، مع الوضع فى الاعتبار أن كل ذلك قد يحدث تغييراً غير متوقع فى الشكل السياسى والدبلوماسى للمنطقة ككل، لأن مصر وقتها قد تصبح مضطرة لأن تستعيد علاقتها مع إيران وتعقد معها صلحا يقضى على خلافات سنوات الفرقة فى محاولة لاستغلال النفوذ الإيرانى داخل حوض النيل، وبنفس المنطق قد نفتح أسواقنا بتسهيلات أكثر أمام الصين حتى تفتح لنا هى جراب نفوذها فى أوغندا وإثيوبيا، ونميل قليلاً نحو تركيا ونكف عن التحذير من بحث تركيا عن دور إقليمى.
أعلم أن فى الأمر رائحة صفقات قد يراها البعض مشبوهة، وقد يراها البعض غير مقبولة، ولكنها تبدو الوسيلة الأمثل من وجهة نظرى لحل أزمتنا مع دول حوض النيل فى ظل خسائرنا الفادحة داخل أفريقيا التى بدأنا ندركها الآن، ونحن نكتشف أن وجودنا فى تلك المنطقة الحيوية وتأثيرنا فيها يساوى.. زيرو.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة