قلت مراراً قبل ذلك أن الخطأ الأساسى الذى وقعت فيه طالبان أنها حكمت أفغانستان الدولة بعقلية الجماعة، فضاعت أفغانستان واحتلت بعد ثلاث سنوات فقط من حكم طالبان لها. وذلك كله رغم تقوى وصلاح وزهد طالبان وهذه الأسلحة مهمة ولكنها لا تصلح وحدها للحكم الذى يحتاج إلى خبرات سياسية وعسكرية وإدارية ودولية وفهم لرسالة الدولة وهى تختلف حتما ًعن رسالة الجماعة.
لقد منعت طالبان البنات من الدراسة الجامعية مع أن الالتزام بالدين والأخلاق يكون فى الطالبة الجامعية أكثر من القروية أو البدوية وهدمت تماثيل بوذا التى مر عليها التابعون والعلماء والفقهاء الأفغان مئات السنين وهذا أغضب الهندوس فى الهند وجعلهم يتحرشون بالمسلمين ويقتلون بعضهم ويحرقون المصاحف.
وكان يسوغ لطالبان أن تترك هذه التماثيل لأتباعها من الهندوس وكوسيلة للسياحة الهندوسية من كل البلاد فى الوقت الذى لا يزورها أى مسلم وبذلك تجمع بين الخيرين حماية العقيدة وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة، فالدولة تقوم على التوافق السياسى مع الأطياف المختلفة فى الوطن سواء كانت مسيحية أو يهودية أو ليبرالية أو اشتراكية أو غيرها. أما الجماعة فتقوم على الولاء والبراء الدينى ويمكن للجماعة أن تشترط مثلاًً ألا يدخلها مدخن أو غير ملتح أو غير موافق لفكرها.
ولكن طالبان اختارت الحرب مع كل أطياف الشعب الأفغانى الأخرى.. فحاربت أحزاب الشمال بقيادة «أحمد شاه وربانى.. ثم قتلت أحمد شاه مسعود.. رغم أن هؤلاء هم الذين حرروا كابول العاصمة من الروس. ثم كانت الطامة حينما تركت تنظيم القاعدة يسرح ويمرح فى البلاد كيف يشاء وينطلق من الأرض الأفغانية لضرب أمريكا تارة فى خليج اليمن ثم فى سفارتى أمريكا فى تنزانيا وكينيا.. فمرت هذه الأزمات بصاروخى كروز فقط، وكان ينبغى على طالبان أن تطلق القاعدة طلاقاً بائناً بعد ذلك لأنها فعلت ذلك دون علم أو إذن حكومة طالبان وكأنها دولة داخل دولة.
ثم جاءت الكارثة حينما ضربت القاعدة قلب أمريكا فى «11 سبتمبر».. فاحتلت أفغانستان وقتل وجرح قرابة مليون أفغانى فضلاً عن آلاف المعوقين وتدمير كامل للبلاد.. رغم أن طالبان لم يكن من سياستها أى صدام مع أمريكا ولكنها تعاملت مع القاعدة تعامل جماعة مع جماعة.. وليس تعامل دولة مع تنظيم يعطى لنفسه كل حقوق الدولة دون علمها أو إرادتها. وهكذا احتلت أفغانستان مرة أخرى بسبب قيادة الدولة بعقلية الجماعة.
ولذا فقد أسعدنى زيارة المرشد د.محمد بديع للكنائس المصرية المختلفة.. لأنه يتعامل الآن بعقلية الدولة التى تسعى للتوافق وليس بعقلية الجماعة التى تسعى للفرز الدينى والعقائدى.
وكلما اقتربنا من فكر الدولة الذى يسع الجميع ويسوى ويعدل بينهم ويعترف بحقوقهم كلما نجحنا فى إدارة الدولة. أما إذا حكمنا الدولة بعقلية الجماعة فسوف نخسر الاثنين معاًً.. الجماعة والدولة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة