كل واحد فينا بيحلم برئيس يعبر عن طموحاته.. طبيعى، حلم مشروع جداً، بل هو الحلم الطبيعى لأى مواطن فى العالم، لكن غير الطبيعى، أن يتعامل المواطن مع «الرئيس» على اعتباره «عمولة» أو «تفصيل»، رئيس يتواجد فى أحلام اليقظة أكثر من منطقية وجوده فى العالم الحقيقى.
من حق كلٍ منا أن يتصور المواصفات التى يريدها فى شخص من يحكمه، لكن غير المقبول هو أن يعتبر المواطن أن رحلة البحث عن رئيس للجمهورية هى نزهة، أو يعتبر المغامرون أنه ما المانع من المغامرة.. ويا صابت ويا خابت وخيرها فى غيرها، ومن غير المقبول بالضرورة أن تتعامل وسائل الإعلام مع معركة اختيار الرئيس على اعتبار أنها مادة لاستطلاعات الرأى لا أكثر، أو أنها مادة متجددة ومثيرة لبرامج الصباح والسهرة، فتضيع جدية القضية فى عبث الإعلام كما ضاع كثير غيرها.
المسألة تحتاج لجدية أكثر من ذلك، إن مناقشة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، تقتضى الإخلاص الحقيقى فى المشاركة، وتقتضى النية السليمة لهذهِ المشاركة، وتقتضى قبل كل هذا الوعى بأهمية النقاش ومدى عمق تأثيره على مستقبل الشعب المصرى بأكمله، وكلنا مسؤولٌ فى هذا أمام نفسه وأبنائه ومجتمعه ومستقبله، ولن أقول ماضيه العظيم فنحن فى زمنٍ صار لا قيمة فيه للماضى ولا للعظمة، إلا عظمة المنصب «الزائل بضرورة الحال» وغرور السلطة «التى هى أيضاً إلى زوال»، والطمع فى المكاسب المزيفة.. للأسف، وكأن من ينعمون بكل هذا الآن لم يتعظوا من مصير قارون الذى لحق بأصحاب السلطة السابقين، الذين استبقاهم الله ومد فى أعمارهم ليكونوا عبرةً للحالمين بنعيمٍ مزيف زاده هو ظلم الشركاء فى الوطن، أو كأن شعبنا العظيم قد كُتِبَ عليه أن يدفع ثمن وصول المزيفين للسلطة وأن يكون كبش فداء لأطماعهم الغبية.
رئيس تفصيل على مقاس مزاج كل مواطن، هو أمر بكل تأكيد من المستحيلات، فما رضى قومٌ جميعهم عن من حكمهم أبداً فى أى بلد وعلى مدار التاريخ، المصلحة الوطنية المصرية هى أعلى ما نرجوه.. فما هو نصيبها يا ترى من كل المناقشات الدائرة الآن من مرشحين وهميين وعبثيين، إلى مرشحين يعلون مصالح جماعاتهم على مصلحة الوطن، مروراً بمرشحين لا يعرفون من الوطن أصلاً سوى القبيلة المحدودة ؟!.
ثم والأهم.. لو أن هذا هو مستوى النقاش حول انتخابات سيتم فيها اختيار رئيس مصر القادم، فما هو مآل نتائج هذهِ الانتخابات فى النهاية أصلاً؟، ما الذى ستسفر عنه نقاشات غير عميقة، وغير جادة، ومزيفة، واستعراضية، أمام شعب أصبح الجهل «للأسف الشديد» من صفاته اللصيقة؟، وإذا أضفنا إلى هذا غياب النضج السياسى لدى النخبة «المفترضة»، وقلة حيلة ذوى الرؤية «التائهين فى خضم الزيف والمزايدات»، تصبح المحصلة يا سادة أكثر من مؤلمة، فالنتيجة بالتأكيد ستكون هزلية.
شركائى فى الوطن.. لماذا لا يصحو كلٌ منا فى الصباح وهو يصدق أنه بنفسه وبجد .. سيختار رئيسه القادم، وهو ما كان حلماً أكثر جموحاً من أى خيال طوال تاريخ شعبنا العريق!، فلنتحل إذن ببعض المسؤولية أمام الاختيار التاريخى، لنتحل بالمسؤولية ولو لمرة واحدة أمام أنفسنا وبلدنا.. أمام ضعاف الحيلة بيننا وأمام غير الواعين منا، لنكن «نخبة» بحق، تدرك معنى الوطن وتدافع عنه كى يبقى منه ما يليق بأبنائنا، وما يسع وجودنا جميعاً، فالحياة فى الوطن يا سادة تستحق أكثر من النواح على اللبن المسكوب، تستحق أن نناضل لأجلها كى لا ينتهى بنا الحال كرماد تذروه الرياح.. مع بقايا ذكرى للوطن.