إنه موسم سقوط الأصنام، يتهاوى الواحد تلو الآخر، وقبل أن تسأل نفسك لماذا سقط هذا الصنم أو ذاك، يجب عليك أن تسألها أولا: لماذا عبدنا هذا الصنم وكرمناه؟ والحقيقة التى لابد من الاعتراف بها أننا خدعنا فى نخبتنا التى قلت عنها سابقا إنها «خيبتنا» وإننا حينما ثرنا على مبارك وخلعناه، كان ينبغى علينا أن نثور على «معارضيه» فالجوف واحد، والوجوه متغيرة.
لنا اليوم أن نقف كثيرا حول فهم البعض للهتاف الأشهر فى الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام» ذلك لأن بعض الذين كنا نحسبهم «رموزا» فهموا هذا الشعار بشكل خاطئ، فظنوا أن المقصود بسقوط النظام هو تبديل الأشخاص، مع الحفاظ على هيكل الدولة الفاسد كما هو، بكذبه ومصالحه وازدواجيته وتربيطاته وتكييفه للدولة على هواه الشخصى دون النظر إلى الملاك الحقيقيين للوطن وثرواته.
سقط الكثيرون وننتظر أن يسقط آخرون، وأنى وإن كنت فى أشد حالات التألم جراء هذا السقوط المدوى، لكنى أحمد الله على حلول هذا الموسم الميمون لسقوط معارضى مبارك مع من بقى من أتباعه، ليتاح لنا أن نؤسس بلدنا «على نضيف» بأهداف سامية، وغايات نبيلة، ومقاصد شريفة، دون النظر إلى شبكة العلاقات والمصالح التى تربط هذه النخب ببعضها، ولأن أمر هذا السقوط «نسبى» اخترت لك اليوم مثالا واضحا على آخر مظاهر هذا السقوط، وهو المستشار محمود الخضيرى أحد أبرز القضاة «الشرفاء» أيام مبارك، ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب الآن.
بعد انتخابات مجلس الشعب قال سيادة المستشار إنه على استعداد أن «يفصل» قانونا جديدا للمجلس العسكرى يعفيه من المساءلة عن الفترة الانتقالية، وكأنه يعرض بضاعته على السادة القادة ليباركوا توليه رئاسة اللجنة التشريعية، وهذا ما حدث بالفعل، فتولى سيادة المستشار رئاسة اللجنة التشريعية بمجلس الشعب، وقبل أن يتولى هذه اللجنة فتح مكتبا للمحاماة يتلقى فيه القضايا باعتباره محاميا ويحصل على أتعابه باعتباره محاميا، ويقف أمام القضاة باعتباره محاميا، ثم يذهب إلى مجلس الشعب ليسن القوانين التى يحكم بها القضاة باعتباره رئيسا للجنة التشريعية، وكفى بهذا عبثا وازدواجا.
أعاد سيادة المستشار العجلة إلى الوراء، وقام بنفس الدور الذى كانت تلعبه آمال عثمان أيام الحزب الوطنى «ألم أقل لك إن الوجوه فقط هى التى تبدلت» التى كانت تقوم بنفس الدور فى تجسيد واضح للفساد المقنن، والأدهى أن سيادة المستشار «لأنه رئيس اللجنة التشريعية» أصبح فى الفئة الأولى بين المحامين لما يتمتع به من سلطات، فالمحامى الأغلى سعرا هو الذى يتحايل على القانون من أجل الفوز ببراءة موكله، فما بالنا بمن يصنع القانون على يديه، فكم سيكون سعره؟
سيادة المستشار الذى استأمنه المجتمع على التشريع العادل، تخصص فى قضايا تصالح الدولة مع رجال الأعمال الفاسدين، ليحصل الملايين من جراء هذا التخصص الفريد، وبدلا من أن يبدأ عمل لجنته بإبطال قانون التصالح الذى سنه المجلس العسكرى «بليل» تجاهل المطالبة بتعديل القانون أو إلغائه، وأدخله فى مرحلة التسقيع، وأخره فى جدول القوانين التى ينظرها المجلس حتى يظفر موكلوه بالبراءة، وليكن بعد ذلك ما يكون.
سيادة المستشار، استقل من مجلس الشعب إن كنت تريد العمل محاميا، أو استقل من المحاماة إن كنت تعتز بالآلاف الذين منحوك أصواتهم، أو ابق كما أنت وانتظر ثورة ثانية تتغير فيها القلوب والوجوه على حد سواء، ويسقط فيها النظام حق سقوطه.