اللى سبقونا قالوا حكمة تعرف منها النفر: «قال يابا علمنى التفاهة قال له تعالى فى الهايفة واتصدر». فبرغم حجم وجدية المشكلات التى تواجه مصر وكل من يعيش على أرضها فإننا مبتلون كل حين بهؤلاء الذين يرفعون حكمة السابقين فى الهيافة، ومن المفارقات المحزنة أن رافعى هذه الحكمة عادة ما يكونون ممن نطلق عليهم النخبة أو خاصة المجتمع، والأمثلة كثيرة، ولكنى هنا سأتعرض لموقف أخير يخص الصحافة والصحفيين، لأنى منهم، فأولى بى أن أوجه نقدى لأبناء جلدتى قبل غيرهم من فئات أخرى كأعضاء مجلس الشعب أو حكومة أو مجلس عسكرى حاكم لأن البيت أولى بنقد أهله.
فوجئت منذ أيام بزميل يسألنى: ما رأيك فى أزمة فيلم «على واحدة ونص»؟ فتصورت أن مرضى لعدة أيام منعنى من متابعة حدث فنى مهم وأزمة يتعرض لها فيلم لم أنتبه له، ولما أبديت جهلاً بالأمر قال لى الزميل بداية الحكاية التى استكملت أركانها بعد ذلك من الصحف ومواقع الإنترنت.
والحكاية أن هناك راقصة مغمورة قررت أن تكتب وتنتج فيلمًا سينمائيّا باسم «على واحدة ونص»، عادى جدّا، «أمَّال حيكون اسمه إيه؟» وبدأت بعض المحطات التليفزيونية ومواقع الإنترنت عرض برومو الفيلم، برضه عادى جدّا، الفيلم كما وضح للمشاهدين من خلال البرومو فيلم قليل التكلفة بلا أى نجوم تُعرف أسماؤهم، وكما بدا فالبطولة فيه للراقصة المغمورة، عادى جدّا، «أُمال رقاصة حتعمل إييه؟».
إذًا أين المشكلة؟ المشكلة يا سادة أن من بين حوار ظهر فى البرومو قالت الراقصة بعض عبارات عن الصحافة، مثل «مش رقاصة أحسن من صحفية؟»، و«إزاى أشتغل مع رئيس تحرير قواد»، وهنا آآآن آآآن! انتفض بعض الصحفيين، وأصدرت حركة تطلق على نفسها «صحفيون أحرار» بيانًا تقول فيه: «لا يجب أن نترك إنسانة مجهولة تعبث بالذوق العام وتهين مهنة الصحافة، فلابد من محاكمتها والتحقيق معها لأنها ادعت أن الفيلم مأخوذ من قصص واقعية أبطالها موجودون، وعليه نطالب الرقابة بمنع عرض هذا الفيلم ومحاكمة بطلته ومنتجته وكاتبته أيضًا»، ولم يتوقف الأمر عند بيان لحركة صحفية لا أعرفها، ولكنها قائمة، ولكن تم الإعلان عن وقفة احتجاج أمام نقابة الصحفيين يوم الثلاثاء الماضى اعتراضًا على السماح بعرض الفيلم، وبناء عليه أعلنت الراقصة المغمورة أنه لو حدثت الوقفة الاحتجاجية فإنها من ناحيتها ستذهب إلى النقابة وتزف الوقفة على واحدة ونص، وانشرى يا صحافة، حتى جريدة الرأى القطرية نشرت الخبر، وأضافت فيه أن الأزهر أيضًا أصدر بيانًا يحث المصريين على عدم مشاهدة الفيلم رغم أن الرقابة على المصنفات الفنية سمحت بعرض الفيلم. ورغم أن الوقفة الاحتجاجية لم تتم كما أُعلن عنها، إلا أن كل هذه الأنباء تناقلتها الصحف وغيرها من وسائل الاتصال.
هذه الحكاية لا تنم إلا عن حكمة السابقين فى تعريف الهيافة، ليس من قبل راقصة مغمورة قررت بفلوسها أن تعمل فيلمًا، ولكن من قبل مجتمع نخبة قرر أن يناطح راقصة على واحدة ونص، وحتى لو كانت هذه الحركة التى يطلقون عليها صحفيون أحرار تضم خمسة أو عشرة ممن ينتمون لهذه المهنة فإن بيانهم سبة فى جبين المهنة، وليس ما قالته الراقصة فى حوار داخل فيلم رخيص.
قديمًا قالوا ذنب النايم فى رقبة الصاحى، وإن كان مفروضًا أن تكون الصحافة هى الصاحية فى هذا المجتمع فذنبها أنها تشغل نفسها وتشغل آخرين بمثل هذه الحكايات فى هذه الفترة من تاريخ أمة على شفا حفرة من نار.
لم أشاهد على واحدة ونص، وغالبًا لن أشاهده، ليس عملاً ببيان الأزهر ولا انتفاضًا لسمعة مهنة أنتمى إليها، ولكن لأن هذا ليس وقت «على واحدة ونص» برغم كثرة الراقصين.