برحيل البابا شنودة، تطوى صفحة من الصعب تكرارها، فقد استقر البابا على الكرسى الباباوى أكثر من أربعين عاما. فى عصر فرضت فيه السياسة نفسها على الدين، وفرض الدين نفسه على السياسة. وكان من الصعب فصلهما. وكان البابا له قدرات خاصة تجعله قادرا على التحكم فى الجموع وتوجيه الأحداث وامتصاص الغضب. وهى صفات لو توفرت بعضها فى خلفائه لن تتوافر كاملة. الأمر الآخر أن العصر نفسه تغير وشكل السلطة تغير، ولم يعد مناسبا استمرار نظام الرئيس الفرد أو الحزب الواحد.
كان البعض يلوم على الأقباط الابتعاد عن السياسة والاقتراب من الكنيسة، لكن من يقول ذلك يتجاهل أن المصريين بمسلميهم ومسيحييهم كانوا يعطون ظهورهم للسياسة التى كانت خاضعة لاحتكار الرئيس ورموز نظامه، والحزب الوطنى، الذين كانوا يزورون الانتخابات ويطبخونها بالشكل الذى يناسبهم. كان أغلبية المصريين، وخاصة الفقراء، محرومين من تكافؤ الفرص بصرف النظر عن عقيدتهم، لكن هذا الواقع يتغير الآن أو فى طريقه للتغير. وهو ما قد يفتح الباب لمشاركة أوسع، كما أن المصريين أصبحوا مدعوين أكثر للخروج من حالة السلبية الإجبارية إلى المشاركة فى الشأن العام. المسيحيون خرجوا ضمن ملايين المصريين وشاركوا فى الثورة، وسقط منهم شهداء وجرحى، وتمردوا على تعليمات الكنيسة، ورفض الشباب الالتزام بالتعليمات وواصلوا تحركاتهم، وتمرد الكثير من نشطاء الثورة بفاعلية فى كل تفاصيلها، وبعد الثورة خرجوا على تعليمات الكنيسة فى أكثر من مكان وحدث، منذ ما قبل القديسين وفى أحداث كنيسة العمرانية والماريناب وفى ماسبيرو، ورأوا الثورة ثورة المصريين ضد نظام ظالم ومن أجل الحرية والعدالة، بل إن غياب العدالة كان سببا من أسباب الطائفية. شاركوا فى الاستفتاء وفى الانتخابات بنفس قدر المسلمين، وحتى لو لم تكن النتائج معبرة عن المجتمع فإن التجربة فى بدايتها وسوف تنتهى إلى نظام تعددى.
الثورة تحول جديد جدد الأمل فى تغيير النظام ليكون أكثر تعددية، وقد ترشح عدد من الأقباط وفازوا على قوائم وعلى مقاعد فردية، وإن كانت النتيجة غير معبرة حتى الآن عن الأقباط، كما أنها ليست معبرة عن المجتمع بتركيبته وتياراته. لأن النظام القديم للترشح والانتخابات والتأثير فى الإرادة لا يزال قائما، الرهان على تغيير النظام القائم بما يساهم فى دعم المشاركة.
ومع اتساع دائرة مشاركة المصريين نظن أن الدور السياسى للمؤسسات الدينية سوف يتقلص. وقد بانت بشائره فى اندماج الشباب المسحيى والمسلم، فى الأحزاب والأنشطة السياسية والائتلافات، والتى إن تطورت سوف تنهى دور الجماعات الدينية والعرقية والطائفية، وفى هذه الحالة سيكون خروج الأقباط من الكنيسة للسياسة أكثر وضوحا.