فقدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والوطن القبطى المصرى والأمة العربية، والإنسانية جمعاء فارسا وقديسا وقائدا محنكا، قداسة الأنبا شنودة الثالث البطريرك المائة والسابع عشر على كرسى مارمرقس.. فقدت الكنيسة راهبا ومصلحا روحيا من تراث جديد، أحد آباء البرية وكوكبها، شاعرا مزج بين البلاغة اللغوية والروحية، فارسا عروبيا حارب كضابط احتياط سنة 1948 من أجل تحرير فلسطين، وقضى ما تبقى من عمره مناضلا من أجل عروبة القدس وضد التطبيع مع إسرائيل.
لم يوحد الكنيسة تحت جناحيه فحسب، بل حولها إلى امبراطورية روحية مترامية الأطراف من بحر الشمال، وحتى سور الصين العظيم، حتى صارت، وبحق، كنيسة جامعة رسولية، ومزج بين لاهوت الأرض والوطن ولاهوت الأرض والسماء.
رحل البطريرك ومصر بلا دستور وبلا رئيس، ولائحة انتخاب البطريرك القادم صارت بالية، والكنيسة العتيدة بعد ثورة 25 يناير تكاد تكون الديمقراطية هى السر الثامن، إضافة إلى أسرارها السابعة.
هل ستشهد الكنيسة صراعات حول لائحة انتخاب البطريرك مثلما حدث فى الفترة من وفاة الأنبا كيرلس الخامس 1927 وحتى وفاة الأنبا يوساب الثانى 1956 وصولا لانتخاب البابا شنودة الثالث 1971 مرورا بانتخاب الأنبا كيرلس السادس 1959 وكانت أوجه الصراع تدور حول شرط الرهبنة أو البتولية – أو أحقية المطارنة فى الترشح، حيث تراوحت اللوائح السابقة بين الرفض والقبول بهذا الشرط، أو تدور صراعات حول أعداد العلمانيين فى المجمع الانتخابى.
اللائحة الحالية رفض قداسة البابا الراحل تغييرها، حتى لا يبدو الأمر وكأنه يفصّلها لوريثه القادم، تلك اللائحة إذا حاول المجمع المقدس تعديلها فسيضطر إلى اللجوء إلى أحد طرفين أحلاهما مر، إما اللجوء للمجلس العسكرى لعدم وجود رئيس للجمهورية، أو اللجوء للبرلمان ذى الأغلبية الإسلامية.
هل سوف ينتظر الأقباط رئيس الجمهورية القادم لعرض اللائحة الجديدة عليه أم سوف يستغلون آخر لقاء تم بين قداسة البابا الراحل ومرشد الإخوان للتصديق على اللائحة الجديدة من البرلمان، أم سوف يقررون البابا الـ118 وفق اللائحة القديمة التى تتضمن شروط مثل: أن يكون المرشح من غير المطارنة، وأن يكون راهبا أمضى فى الدير 15 عاما، هذان الشرطان لا ينطبقان على كل أعضاء المجمع المقدس تقريبا ما عدا بعد رهبان الأديرة ورؤسائها، الأمر الذى سوف يدفع بأحد آباء البرية من غير المشاهير إعلاميا إلى كرسى مارمرقس، أم سوف تنتقل المعركة إلى ساحات الشوارع والبرلمان والقضاء؟
قداسة البابا الراحل.. كما جمعت شمل الكنيسة فى حياتك، فلتشفع فى كنيستك أمام عرش النعمة لتظل موحدة بعد رحيلك.