فى مشهد لا يحتاج إلى تعليق كان مئات الآلاف من المصريين يتحركون فى شارع رمسيس لوداع البابا شنودة وكانت السيدات والرجال فى البلكونات يدلون السلال بزجاجات المياه للشرب، كانت سيدات محجبات وشيوخ وأطفال، فى مشهد لا يتاح الكثير من الحديث فهذه هى مصر الطبيعية التى نعرفها وتعرفنا بفطرتها وفطرتنا.
مثل هذا المشهد يتشابه مع مئات المصريين بكوا بحرقة على البابا شنودة، ويعرف من تابع مسيرات الحزن أن بين الملايين مسلمين يشعرون بفقدان عزيز يخصهم ويخص تاريخهم، ويعرف أيضا أن هناك من بين المسيحيين من كانوا غاضبين على قداسة البابا شنودة بسبب قضية الزواج والطلاق ووجود عشرات آلاف معلقين كانوا يريدون حلا لقضيتهم، لكنهم خرجوا مع من خرج لوداع الرجل.. لكن هذه هى مصر.
مشهد آخر فى مصر عندما رفض بعض السلفيين فى مجلس الشعب الوقوف دقيقة حدادا على البابا شنودة، وهو مشهد يخالف الفطرة والطبيعة المصرية التى تجلت فى مشهد زجاجات المياه، وإذا ناقشتهم فسوف يقدمون لك مبررات يستندون فيها لأقوال لا علاقة لها بالرسول صلى الله عليه وسلم، الذى قال الله تعالى فيه: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وهم ينتمون لمشاعر جافة مستوردة، وباسم الإيمان يتبنون أكثر الأفكار غلظة، و«جنجحة»- جدل الدماغ المقفولة-، ويزعمون العلم، بينما يتصرف المصريون بفطرتهم ويستفتون قلوبهم.
ليس مصادفة أن نفس هؤلاء الذين يرفضون الوقوف حدادا على البابا، ويرفضون الاحتفال بشم النسيم، ويرهقون أنفسهم بفتاوى عن منع الاحتفال بمولد النبى، ويستكثرون على المصريين أن يفرحوا معا ويحتفلوا جماعة، وهم أيضا الذين يرفضون تحية العلم والوقوف له، بنفس المبررات، بينما هذا العلم نفسه كان رمزا لثورة أتت بهم لمجلس الشعب، ولم يشعر المصريون بقيمة العلم قدر ما شعروا به فى ثورتهم.. نفس هؤلاء هم من أثاروا قضية فى قسم مجلس الشعب والشورى وشغلونا، وكأن البرلمان مكان لممارسة الجريمة ومخالفة الشرع، هم يحرصون على نقلنا إلى جدل عقيم لا طائل منه.
ومن المفارقات أيضا أن بعضا ممن قدموا الماء للحزانى، صوتوا لمن رفضوا الحداد، وكلاهما مصرى بعضهم يتصرف بفطرته وإيمانه الصافى الممتد قرونا، والبعض تطغى الإيديولوجية على عقله فلا يفرق بين الأصل والفرع.. وهذه هى مصر التى تلفظ الفظاظة والغلظة وتحب التسامح وتعلى من شأنه.
الخلاصة أننا فى مصر التى تضم كل المتناقضات، والتى تحتاج إلى الديمقراطية لتحكم الناس، وأن يبقى الإيمان فى القلوب والعقول، حيث المؤمنون من كل الأديان، لا يجدون أى تناقض بين الإيمان والوطن، ولا بين الصلاة والعلم، وأن الوطن يتسع مثل قلب أم لكل أبنائها، وفى النهاية تنتصر الفطرة على الجفاف والجدل العقيم.. وهذا هو الفرق بين من يستفتون قلوبهم ومن يستفتون بطونهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة