طول عمر الديمقراطية «ديمقراطية» لا تقبل التبدل ولا التحول ولا الالتفاف، لكن ها نحن نعيش ونرى الديمقراطية وهى تتحول على يد جماعة الإخوان المسلمين «غير القانونية» إلى ديكتاتورية جاهلية لا ترى إلا بمنظار المرشد، ولا تعترف بغير مكتب الإرشاد قبلة، ولا تأتمر إلا بأمر مجلس آلهة الأولمب المسمى بمجلس شورى الإخوان، لندخل فى أبأس مراحل القهر والإقصاء على يد الجماعة التى عانت أكثر من ثمانية عقود من هذا القهر والإقصاء، وليس بعد سعيهم لاستحواذهم على نسبة 50% من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من البرلمان الذى يشكلون أغلبيته المطلقة بالاشتراك مع حزب النور إلا أن ينفردوا بكل شىء ويحرموا كل شىء على ما عاداهم، محللين نفس الشىء لأنفسهم.
الحجة الباهتة الخائبة التى يرددها الإخوان ومن نصرهم فى هذا الطمع السياسى الذى سينقلب إلى غمة على رؤوسهم قريباً، هى أنهم أصحاب الأغلبية وأن الشعب وثق فيهم وأعطاهم صوته فى الانتخابات البرلمانية، ولذلك جمعوا ما بين وكالة الله على الأرض ووكالة الشعب فى البرلمان، ومن هذا المنطلق يتصرفون كما لو كانوا آلهة متجبرة لا ترى غير نفسها ولا تمنح لأحد الحياة إلا تحت إشرافها، لكن المؤسف حقا أن الذين يدعون أنهم ممثلو الله يخالفون شريعة فى خلقه ويتحدون ناموسه الأكبر فى الخلق، لأن الله خلق التعدد والتنوع والحرية قبل أن يرسل الكتب السماوية بآلاف السنين، وحتى بعد أن أوحى بها إلى أنبيائه جعلها ميثاقا لحقوق الإنسان، ونبراسا لمن لا يهتدى، وهذا ما يعملون ضده الآن بكل ضراوة ليصبغوا الحياة بصبغتهم ويكيفونها على مقاسهم وحدهم، غير عابئين بالآخر الإسلامى أو الآخر المسيحى، أو الآخر السياسى.
عانى الإخوان والسلفيون من مرارة الإقصاء، ولكنهم ما أن استشعروا قوة السلطة حتى انقلبوا إلى إقصائيين جدد، يبددون معانى الديمقراطية الحقيقية بحجة ديمقراطيتهم المشوهة، ناسين أن التجارب الديمقراطية القديمة والحديثة أجمعت على أهمية التنوع والتعدد والحرية الحقيقية، وترسيخ آليات هذه الحرية فى الدساتير والمواثيق، لكن ها هم الإخوان والسلفيون يريدون الاستفراد بكتابة الدستور ليسدوا علينا أبواب الحرية التى فتحناها بالدم، غير عابئين بالدم الذى سيتساقط مرة أخرى إن كبلونا ثانية بالدساتير المغلقة والمواثيق البائدة.
نعم فاز الإخوان والسلفيون فى الانتخابات البرلمانية، وأصبحوا أغلبية فى هذه الدورة وفقا للقواعد شبه الديمقراطية، وبرغم ما شاب عملية الانتخابات من تزييف للإرادة والوعى واستهزاء بعقلية الكثيرين من أبناء الشعب المصرى البسطاء، وبرغم أن الانتخابات مطعون فى صحتها ومشكوك فى شرعيتها، لكنهم لا يعيرون ذلك انتباها، ويتجبرون كما كان مبارك يتجبر على عباد الله، ممارسين الإقصاء الممنهج على المخالفين سواء كانوا من داخلهم أو من خارجهم، ومنقلبين على قواعد الديمقراطية الأولى التى اشترطت أن تتوافر مقومات الحرية والتعددية والشفافية فى المجتمع وفى دستوره الحاكم قبل أن نحتكم إلى الصناديق، لكنهم بعد أن تسربوا إلى البرلمان عبر صناديق الضباب برعاية المجلس العسكرى، يكسرون الآن هذه الصناديق باعتبار أنها كانت من آليات الكفر كما كان يصرح أحدهم.