منذ أكثر من شهر ومجلس الشعب كل يوم يصحو ليعقد جلسة يسحب فيها الثقة من الحكومة، بسبب الغياب أو الفشل، لكن الثقة ترفض أن تنسحب من الحكومة والوزراء يعتذرون بسبب المواصلات أو بسبب الزحام، ولا نشعر أن المجلس جاد فى حدوتة سحب الثقة، ولا الحكومة هى الأخرى مهتمة، فهى تلقى الكرات فى ملعب المجلس وتشكو من نقص الإمكانات وتراجع الاقتصاد وتعدد الوقفات والاحتجاجات وقطع الطرقات، بينما المجلس مشغول بكرامته المهدرة و«استهمال الحكومة»، ويطالب النواب بطرد ممثل الحكومة من المجلس وتذنيبه على سبورة الموقر، رئيس المجلس الدكتور سعد الكتانى يقول لهم إن الموقر يمكنه سحب الثقة وتحديد الاختصاصات، هاج النواب وماجوا، واتهموا الحكومة بأنها وراء أزمات البنزين والسولار والغاز، بهدف إحراج البرلمان وإظهاره بأنه غير قادر على حل الأزمات.
الوزراء اشتكوا من الزحام الذى أخرهم، ولو انتبهت الحكومة للزحام ربما ما تأخرت، ومع هذا لا تنشغل الحكومة ولا المجلس بالزحام كأنه يدور فى بلد آخر، وإذا كانت الحكومة تشكو من الزحام والأزمات، والمجلس يشكو الحكومة، فلمن يتوجه المواطن العادى الذى لا حكومة له ولا برلمان؟.
ليست المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة فى هذه اللعبة، التى لا نعرف متى تنتهى، بينما المواطنون يعانون كل صنوف العذاب والتعب.
ثم إننا نرى الكثير من النواب يتمطعون وينفردون ويتنططون غضبا على كرامة المجلس، وهو أمر طيب، يمكن أن يكون مفيدا كالفيتامينات، ولكن إذا كان المجلس يتضايق على كرامته من تأخر الوزراء، فلماذا لا ينفعل على كرامة المصريين وأحوال المستشفيات والطرقات والانفلات والانقلاع والتوتر السطحى؟ فلم نر مناقشة جادة للانفلات الأمنى وبحثا عن طريقة لمواجهته، ولا تفكيرا فى تشكيل لجنة أو مجموعة تلتقى مع أصحاب الشكاوى قبل أن يخرجوا فى وقفات، أو يقطعوا الطرقات، ولو انشغل مجلس الشعب بتشكيل مجموعة للتدخل السريع وبحث الشكاوى والمطالب ربما انتهى الأمر لنتيجة أفضل من الصراخ على الحكومة ولعب الاستغماية معها.. لم نر ولا مناقشة جادة تنتهى لنتيجة واضحة، لكننا نتفرج على سيرك من الكلام، يريد به النواب أن يخلوا مسؤوليتهم ويعلقوا المسؤولية على رقبة الحكومة، التى بدورها تشكو وتعلق المسؤولية فى رقبة الزحام والانفلات.
وإذا كانت الأغلبية فى مجلس الشعب تتحدث برلمانيا وترى نفسها الأصلح لإدارة الأزمة، فلماذا لا يقدمون تصورا للحكومة؟، أو تصورا لحكومة جديدة، ولماذا ينتظرون انتخاب رئيس، طالما يتحدثون برلمانيا؟.
نعرف أن الوضع صعب وأن حكومة الجنزورى أمامها شهور قليلة وترحل، ويفضل أن يتعامل معها البرلمان كجهة تنفيذ لخطط يضعها النواب، بدلا من استمرار لعبة الاستغماية اليومية والأسبوعية التى تضيع الوقت والجهد فى استعراضات على طريقة «سيب وأنا أسيب».