المحصلة النهائية هى أن البرلمان «المشكوك فى دستوريته» انتخب نفسه ليصنع دستورا على «قد حضرته»، واليوم سيصوت أعضاؤه لاختيار المائة المبشرين بإخراج مصر إلى المستقبل، «30 إخوان، 10 سلفيين، 10 من باقى النواب، 25 شخصيات عامة، 25 هيئات ومؤسسات»، وضعوا معايير وضوابط لاختيار الأعضاء، منها السمعة الحسنة، والخبرة، والكفاءة، وعدم الارتباط بالنظام السابق، وعدم التورط فى قضايا الفساد، وهى معايير يتمتع بها %90 من المصريين الذين تم استبعادهم من لجنة الصياغة، البرلمان «الثورى» خالف المادة 60 من الإعلان الدستورى، التى تنص على دعوة مجلسى الشعب والشورى إلى اجتماع مشترك لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد دستور جديد للبلاد، البرلمان يعرف أنه خالف، ويعرف أن أساتذة القانون والمثقفين الذين أقاموا دعاوى قضائية لإلغاء نسبة الـ%50 التى افتكسها المنتصرون يملكون مبررات قانونية ونية صادقة، سيقول عصام العريان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية: «كل شخص يريد أن يقيم دعوى ضدنا فليقمها وبيننا القضاء»، وسيقول رئيس لجنة الزراعة «فى موضوع قانونى» للتحرير إن الدعاوى ستكون باطلة، مستشهدا بالمادة 60 نفسها، والتى هى واضحة ولا لبس فيها، الرجلان اللذان لا يشتغلان بالقانون ولا يعبران عن لجان مختصة بالموضوع يعرفان أن ما قام به حزبهما «الذراع» مخالف، ويعرفان أن الشخصيات التى رفعت الدعاوى حسنة السير والسلوك، وتفهم فى الموضوع، وتعرف خطورة أن يحتكر اتجاه ما صياغة الدستور، ومع هذا يصران على أنهما على صواب، وهنا تكمن الكارثة، يعتقد الذين نجحوا فى انتخابات نزيهة «مشكوك فى دستوريتها» أن الشعب أعطاهم توكيلا على بياض، وأنهم بموجبه يحق لهم فعل أى شىء، وينظرون إلى الذين يخالفونهم الرأى على أنهم لا يريدون الاستقرار، وأنهم «يلتفون» على إرادة الشعب، وكأن إرادة الشعب تريد أن يكون %75 من لجنة صياغة الدستور ممن يرضى عنهم مجلس شورى الإخوان وعبدالمنعم الشحات. البرلمان على كف عفريت، وقد يصدر حكم قضائى «قد!» ببطلانه، وسيقول قائل إن هذا لو حدث فسيعطل عملية انتقال السلطة ويطيل عمر المجلس العسكرى ونابغته الدستورى اللواء شاهين، وهذا مردود عليه، لأننا بعد أسابيع سيكون عندنا رئيس جمهورية، ولن تقف الدنيا إذا صدر حكم ببطلان المجلس الذى سيحلف اليمين أمامه، لأن المحكمة الدستورية موجودة وستفى بالغرض، الرئيس القادم سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، لأنه سيكون أول رئيس فى التاريخ ينجح فى انتخابات حرة ونزيهة يديرها نظام مستبد.
يسعى حزب الحرية والعدالة إلى السيطرة الصامتة على أجهزة الدولة، فى الوقت الذى ينشغل فيه الإعلام بانتخابات الرئاسة والدستور والبنزين، ولم يفلح «الذراع» حتى الآن مع الصحف القومية ولكنه لن ييأس، ويحاول انتزاع الجهاز المركزى للمحاسبات، ولكن العاملين به يرفضون وأمامهم معركة صعبة «هم قدها»، وفى طريقه إلى البنك المركزى، ولا تعرف من أين أتوا بهذه الثقة؟، الجهاز المركزى للمحاسبات دوره حماية المال العام ويتبع رئيس الجمهورية، وتسعى الأغلبية البرلمانية إلى نقل تبعيته إلى مجلس الشعب، لأنه أحد أهم أدوات السيطرة وكشف الفساد، وإيهام الرأى العام أن المال العام سيكون بأمان إذا اختار المرشد العام رجلا من رجاله، مع أن الجميع يعرف أنه يوجد تعارض كبير بين دور الجهاز فى الرقابة على الأحزاب السياسية وبين تبعيته لمجلس الشعب الذى ينتمى أعضاؤه إلى هذه الأحزاب، وأن تبعية الجهاز للبرلمان قد تجعل منه سلاحا فى يد الأغلبية ضد خصومها السياسيين، وأيضاً مجلس الشعب هو الذى يشكل الحكومة، ووظيفة الجهاز هى مراقبة هذه الحكومة، فكيف نصدق نواياهم؟