الحرية أو الدم، تلك هى القاعدة، وهذا ما يقوله لنا التاريخ بشقيه البعيد والقريب، رسول الله كافح بدمائه ودماء صحابته من أجل الحرية، وزعماء العالم وثواره ومفكروه ضحوا بدمائهم راضين مسرورين من أجل الاحتفال ولو بليلة حرية واحدة، وليس أهون على ثوار مصر من أن يموتوا فى سبيل الحق الذى استشعروا حلاوته، واقتربوا منه، وكادوا أن يحققوه واقعا لولا تآمر شركاء التجهيل والتضليل والتهليل.
بعد أشهر طويلة من صمت الشارع على فضائح البرلمان وأخطائه الكارثية لابد الآن أن نؤكد بكل ما أوتينا من قوة أن الشارع لم يمت بعد، وأن زمن الانفراد بالسلطة قد انتهى إلى غير رجعة، وأن آليات صناعة الفرعون أصبحت بالية متعفة، لا يرضى بها عاقل ولا يستجيب لها حر، حررتنا الثورة من كل الطواغيت، لكن هناك فى البرلمان من لا يعرف هذه المعلومة ويصم آذانه عنها، فلابد أن يسمع نداء الحرية قويا عاليا، لا دستور تحت حكم العسكر، ولا عودة لحدود 24 يناير، ولا يجوز لنا أن نعود إلى عهد فراعين العسكر الذين حكمونا بالحديد والنار طيلة 60 عاما، ويريدون الآن أن يصنعوا فرعونا جديدا باسم الإسلام والإسلام منهم برىء.
سنة وأكثر مرت على الثورة، ولم يتحقق فيها شىء فى صالح المواطن، بينما تنزل المصائب والويلات عليه من كل صوب، وفى الوقت الذى يعجز البرلمان فيه عن تدبير لتر بنزين ولقمة عيش وحياة كريمة بغير قانون طوارئ ولا أحكام عسكرية، يلهث ويسابق الزمن من أجل وضع دستور جديد يرسخ له عجزه، تذكر فقط أنه منذ أكثر من شهر انتفض البرلمان وصال وجال من أجل حبس مبارك فى طرة، وذهب النائب أكرم الشاعر إلى سجن المزرعة وعاين المستشفى الذى من المفترض أن يقيم مبارك فيه، ثم عاد وقال إن نقل مبارك إلى طرة سيكون خلال أيام، لكن ها هى الأيام تمر، وها هى الأسابيع تمضى، لا مبارك نقل ولا يحزنون، لكنهم أهملوا كل ذلك ويريدون أن يكتبوا الدستور!!
تذكر أن عشرات القوانين التى عرضها السياسيون والخبراء والقانونيون والمتخصصون أمام مجلس الشعب الآن، ومنها قانون التصالح «المعيب» مع رجال الأعمال الذى يستحل أقواتنا ونهب أرزاقنا باسم القانون، ولكن برلماننا لم يحرك فيه ساكنا ولم يراجعه، ولم يبدأ فى تشريع أى قانون إلا قانون كبح التظاهر، تاركا قوتنا المنهوب فى أيدى رجال الأعمال الذى سرعان ما وكلوا رئيس اللجنة التشريعية المستشار الخضيرى ليترافع عنهم أمام المحاكم مستغلا منصبه فى المجلس لتسقيع مناقشة القانون حتى يحصل موكلوه على البراءة قبل تعديل القانون، بما يعنى أن حاميها «مستشاريها» لكنهم أهملوا كل ذلك ويريدون أن يكتبوا الدستور!!
إعداد البرلمان للدستور باطل، وتعيينه لنصف لجنة المائة باطل، فالدستور يكتبه الشعب ومثقفوه ومفكروه، ونص التعديلات الدستورية التى وافق عليها الشعب يقول إن رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مسؤولان مع البرلمان عن تشكيل لجنة المائة، لذلك فانفراد البرلمان بوضع الدستور باطل، كما أن عدم البت فى شرعية البرلمان من قبل المحكمة الدستورية بعد صدور حكم الإدارية العليا باطل أيضا، لأن نص التعديلات الدستورية تلزم المحكمة بالرد فى مدة أقصاها 90 يوما، فيكف يؤسس برلمان البطلان دستورا للطغيان... انزل وقل لا للديكتاتورية الجديدة، انزل وقل لا للطغيان.