فى شريعة «برلمان العورة» وليس برلمان الثورة، كما يحب الإخوان والسلفيون أن يطلقوا عليه، يصبح كل شىء مغلوطا، وكل شىء خاضعا للحسابات وللتربيطات وللنظر إلى لجنة المائة التى اختارها الإخوان والسلفيون، لنرى كم الإجحاف والظلم والتعامى الذى يمارسه الإخوان فى أول اختبار حقيقى لفكرة استيعابهم للتيارات الوطنية وتطبيقهم لمبدأ «مشاركة لا مغالبة»، الذى أطلقوه تطمينا للغرب وليس للتيارات الوطنية التى وقفت معهم أوقات محنتهم وكانت لهم خير سند وعون.
يلحس الإخوان كل وعودهم، فى تطبيق عملى لسياسة التطمين ثم التمكين، قاطعين كل السبل أمام أى توافق وطنى، رافضين أن يشاركهم أحد فى الحكم أو حتى فى الرأى، فالإخوان «الإخوان اللاحسون» الذين يلحسون وعودهم كما يلحسون أصابعهم بعد كل صفقة، مارسوا أقصى وأقسى صور الاستبعاد مع الرموز الوطنية التى دافعت عنهم سابقا، ومستبعدين أيضا شباب الثورة الذين مهدوا لهم الطريق وفتحوا أمامهم باب الحرية، فأغلقوا عليهم سجون الكبت والقهر والإقصاء، فقد تخيل الإخوان اللاحسون أن مصر أصبحت كنزا مفتوحا يعبون منه، وكأنهم على بابا والأربعين حرامى فى آن واحد، صائحين «برلمان.. دستور.. رئاسة.. أحمدك يا مرشد».
فى هذا السياق يصبح استبعاد رموزنا الوطنية الكبيرة من الجمعية التأسيسية للدستور أمرا سهلا هينا، فى حين أن كل دساتير العالم يشارك فى صنعها الشعراء والفلاسفة والمفكرون والباحثون والعلماء والأكاديميون، يأتى لنا الإخوان والسلفيون بمجموعة تمثل ما لا يقل عن نصف اللجنة من «المجاهيل»، ليكتبوا لنا دستورنا، مستبعدين أسماء لامعة مشهود بها بالوطنية والنضال والثقافة والمعرفة والتسامح والمحبة مثل: محمد البرادعى وبهاء طاهر وصنع الله إبراهيم وحسام عيسى وإبراهيم درويش وجورج إسحق وزكريا عبدالعزيز ومحمد أبوالغار ومحمد غنيم وأحمد الطيب وعلاء الأسوانى ووائل غنيم وخالد تليمة ومصطفى النجار وفاروق الباز وأحمد زويل وعبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب وعمار على حسن ومحمد المخزنجى ووسيم السيسى ومحمود عاشور وحسن حنفى ونهى الزينى ومحمد عبلة وجلال أمين وعبدالمنعم تليمة ويحيى الرخاوى وأحمد عكاشة وهبة رؤوف وعبد الرحمن يوسف وصفوت البياضى وأنطونيوس ومسعد أبوفجر وبلال فضل ومحمد دياب وعمرو سلامة وغيرهم الكثير.
ولعل المفارقة الأفدح فى برلمان «العورة» الذى يصر على أن يسمى نفسه باسم برلمان الثورة هى استبعاد ممثلى أهالى الشهداء من كتابة دستور العهد الجديد، وهم أحق الناس وأولاهم بكتابة المستقبل الذى دفعوا ثمنا له من دماء أبنائهم ودموع أعينهم، فقد أتى الإخوان والسلفيون بمن يُؤمر فيطيع، ويدعونه فيستجيب لهم، محتفظين ببعض الديكور من التيارات الأخرى على سبيل التمثيل لا على سبيل المشاركة، وشتان ما بين تمثيل الكومبارسات الردئ والحقيقى.
يعرف الإخوان والسلفيون أن الدستور للجميع وليس للأغلبية، وأنه هو المظلة التى يحتمى بها الجميع، لكن الآن قد وضحت نيتهم فى أنهم يريدونها «مظلة مخرومة» تقيهم من النوائب وتصب الوابل على غيرهم، مستعينين بترزية القوانين والدساتير ليفصلوا دستورنا على مقاسهم، ناسين أن تفصيل الدساتير والقوانين لم يحم غيرهم حينما أراد الشعب الحياة، ولأنهم صاروا فى طريق العناد الذى يدل على استبدادهم، أقترح عليهم أن يغيروا اسم الجمعية التأسيسية للدستور ليصبح الجمعية التأسيسية «للدمور» فعلى الأقل الدمور هو الأنسب للحياكة والأسهل وقت «اللبس».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة