ما حدث فى تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وسيطرة الإخوان والسلفيين على الغالبية العظمى من أعضاء الجمعية هو العبث بعينه، والمخاطرة بمستقبل الدولة ودستورها الذى سيولد مشوها، ولا يعبر إلا عن فكر ومنهج تيار معين خطط ودبر منذ البداية من أجل الاستحواذ والتحكم على مقاليد الحكم فى مصر بالشعارات الدينية الزائفة وليس بالخبرة والكفاءة السياسية أو ببرنامج سياسى واقتصادى واجتماعى وفكرى واضح.
الإخوان بدأوا يكشفون عن نواياهم الحقيقية فى السيطرة على زمام ومقاليد البلاد ويريدونها «تسليم مفتاح»، بعد سقوط أقنعة الخداع والكذب السياسى، وبعد أن شاهد الجميع وعلى الهواء مباشرة الأداء المخيب للآمال للإخوان وذراعهم السياسية المسمى بحزب الحرية والعدالة داخل البرلمان الذى تمنى الشعب أن يكون برلمان الثورة، واتضح الآن أنه برلمان لأدبيات وفكر ومنهج الإخوان والذين معهم، فلم يقدم شيئا سوى التشنج والانفعال ومناقشة القضايا الفرعية بعيدا عن قضايا وهموم الناس وأولوياتهم بعد الثورة.
الدستور القادم والمحتمل فى ظل سيطرة الإخوان ومن معهم لن تكون له ملامح ولن يكون هو الدستور الدائم لدولة وليس هو الدستور المعبر عن هوية مصر وحضارتها ومدنيتها، بل هو دستور دولة الإخوان المؤقتة وحزبها الذى أغرته قوته التنظيمية وأخذته العزة بهوس السلطة وعرضها الزائل، فكشف عن الوجه القبيح الذى كرهه الناس فى الحزب الوطنى المنحل بل قد يكون أشرس منه فى فرض قوانينه وبرامجه وسياساته القمعية التى أطاحت بها ثورة يناير.
الجماعة يبدو أنها لا تتعلم من دروس الماضى ومن أزماتها ومحنها فى التاريخ القريب فى لحظات الصدام السياسى فى الماضى التى خسرتها جميعا، وتدق بأياديها الآن طبول الصدام القريب القادم ليس فقط مع السلطة والجيش ولكن مع المجتمع بأسره، وستتحول إلى هدف ثورى تسعى الثورة القادمة لإسقاطه -كما توقع القيادى الإخوانى السابق مختار نوح- ما لم تترو وتعى درس التاريخ والثورة، وأن مصر هى ملك للجميع وليس عقارا أو متاعا لهم. فالمحنة القادمة للإخوان ستكون محنة النهاية التى لا قيام بعدها، ولكنها أيضا هى محنة مصر التى تمر بأخطر مرحلة فى تاريخها.
فعلى الجماعة أن تعود إلى صوابها ورشدها من السير فى طريق الآلام وظلمة الدرب العسير قبل فوات الأوان.