عندما فاز حزب النهضة الإسلامى فى تونس بأغلبية المجلس التأسيسى فى الانتخابات التونسية التى جرت فى أكتوبر الماضى سارعت قيادات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى مصر إلى تهنئة النهضة بفوزه الكاسح، واعتبرت أن حصوله على نصف المقاعد تقريبا، فألا حسنا للجماعة فى الانتخابات البرلمانية، وانتصارا للتيار الإسلامى فى دول الربيع العربى، بل وبالغت الجماعة فى الفرحة على أساس أن فوز النهضة فى تونس هو انتصار للإخوان المسلمين فى مصر ومؤشر ثقة للسيطرة على مجلس الشعب.
لكن بعد فوز النهضة جاءت تصريحات زعيمه راشد الغنوشى مغايرة تماما وصادمة للجماعة وحزبها. وظهر أن هناك فارقا حقيقيا وجوهريا فى الفكر والمنهج والرؤى بين قادة العمل السياسى فى تونس وقرنائهم فى مصر، فالغنوشى جاء بخطاب تنويرى ومعتدل، قدم الحزب للحياة الاجتماعية والسياسية الجديدة فى تونس ببرنامج محدد وواضح ومواقف معلنة ننتظر تطبيقها على أرض الواقع، مؤكدا على أن تونس للجميع وستكون حرة ومستقلة ومزدهرة تصان فيها حقوق النساء والرجال والمتدينين وغير المتدينين، وأنه لن يفرض الحجاب على المرأة التونسية.
كان هذا هو الدرس الأول للإخوان فى مصر من الإخوان فى تونس ومع ذلك لم يتعلموه أو يستوعبوا مضمونه، وبالأمس جاء الدرس الثانى من النهضة أيضا عندما أعلنت الحركة وبشكل واضح يتسق مع خطابها السياسى بأن «الإسلام لن يكون المصدر الأساسى للتشريع فى الدستور الجديد» للحفاظ على التوافق والنسيج الوطنى، وقررت حركة النهضة الإبقاء على الفصل الأول من الدستور السابق دون تغيير والذى ينص على أن «تونس دولة حرة لغتها العربية والإسلام دينها».
هذا هو الدرس الثانى من تونس الخضراء للإخوان فى مصر، فالوطن هو الأبقى والأهم وإعلاء المصلحة العليا على المصالح الحزبية والمشاركة فى البناء السياسى والاقتصادى والاجتماعى مسؤولية الجميع وليست منوطة بحزب أو تيار واحد فقط دون الآخرين.
وإذا كان الإخوان فى مصر لا يريدون الإنصات إلى صوت العقل فى الداخل، فعليهم أن ينتبهوا إلى دروس إخوانهم فى تونس، ونتمنى أن تكون دعوة القيادى الإخوانى الدكتور محمد البلتاجى للجماعة بالاعتراف بالأخطاء ولم الشمل الوطنى، هى البداية، قبل أن ينتهى الدرس.