فى الرابع عشر من يناير كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان «قطر والمؤامرة الوهابية» وفيه أشرت إلى مخططات قطر للاستيلاء على المنطقة العربية برعاية أمريكية إسرائيلية، مستعينا بتسجيل صوتى منتشر على موقع اليوتيوب، وفيه يخاطب حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر معمر القذافى رئيس ليبيا المقتول ويدلى له باعترافات خطيرة حول رغبة قطر فى الهيمنة على الجزيرة العربية وتقسيم السعودية، لكنى فى نهاية المقال قلت إنه لا يهمنى السعودية ولا قطر، فكلتاهما «عميلة»، وإنما أمن مصر القومى هو ما يهمنى محذرا من تدخل قطر فى الشأن المصرى ودعم بعض التيارات ومنها التيار السلفى كما هو ثابت فى قضية التمويل الخارجى، لكن تشاء الأيام أن تتوالى الأحداث لتكشف ما اختفى من خيوط.
وضعت قطر قدمها فى ليبيا للدرجة التى جعلتها ترغب فى أن يتعامل الليبيون بالعملة القطرية، وهو ما لا يحدث إلا فى حالات الاحتلال، لكن ليبيا البعيدة عن قطر لم تكن هى المشتهى، بل مصر، ومصر فقط، وأميز ما بمصر طبعا، وهو موقعها المتوسط وتمتعها بقناة السويس أهم ممر ملاحى فى العالم، كل هذه الرغبات حملها إليها سيادة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر على طبق واحد، فذهب إليهم صاغرا عارضا خدماته، مدعيا أنه يريد جلب الاستثمارات لمصر، لكن قطر كانت أوضح فى مطالبها وعطاياها، فعرضت عليه - بحسب ما نشر - استثمارات بمقدار 30 مليار دولار، على أن تتركز هذه الاستثمارات فى منطقة قناة السويس، ولما وافق الشاطر مسرعا، أبلغوه أن الأوان لم يأن بعد، وذلك لأن المجلس العسكرى - وارث كراهية قطر من المخلوع - هو الحاكم الفعلى للبلاد، وأنهم لا يمتلكون إلا برلمانا منزوع الصلاحيات، محرضينه على الانقلاب على حكومة الجنزورى وترأس الحكومة، ليصبح فى موقع القرار فعلا، وهو ما حدث فور رجوعه إلى مصر، فعلت النبرة المنادية برحيل الجنزورى من جانب الإخوان بعدما كانوا يؤكدون دعمهم له حتى 30 يونيو.
استعرت المعركة بين الإخوان والحكومة، وبدوا غير صابرين على الجنزورى بلا مناسبة، بعد أن تحدوا مصر كلها بسببه، مستدعين مواقف قديمة نادينا فيها بإقالته ولم يستجب الإخوان لنا، ولما أعطاهم المجلس العسكرى الذى لا يريد شريكا فى حب أمريكا ودنا من طين وأخرى من عجين، قرر الشاطر أن يترشح للرئاسة ليحافظ على سطوته، ولهذا أنشأ صفحة «خيرت الشاطر رئيسا لمصر» فى 19 مارس الماضى، أى بعد ما يقرب من عشرة أيام من رجوعه من الدوحة.
لم تصمت السعودية هى الأخرى، ويقال إنها دخلت المزاد على مصر بكل قوة، ودعمت أحد مرشحى الرئاسة بمائة وخمسين مليون ريال، ولذلك خاف الشاطر من أن يأتى رئيس على غير هواه بعد إفشال صفقة «الرئيس التوافقى» فقرر أن يتصدر المشهد ليكون القائم بأعمال أمير قطر فى القاهرة، ومن المؤكد أن الذى انحنى ليأخذ لن يقدر على أن يرفع رأسه ليعترض، فها هو الرجل الأقوى فى جماعة الإخوان المسلمين ينحنى لرجل أمريكا الأول فى المنطقة، ومن رحمة الله على عباده أن الزيف لا يملك أجنحة ليطير بها، لكنها أقدام من شمع فحسب، سرعان ما تأكلها حرارة الأيام، فيصبح قعيدا عاجزا، لا يقدر على السير إلا زحفا، فيراه القاصى والدانى، ويعرفون أنه الزيف لا ريب.