الاعتراف بالخطأ والتراجع عنه أولى خطوات الحل فى أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والخروج من المأزق الجديد الذى وضعنا أنفسنا فيه بلاداع وبلا ضرورة.. فى وقت كنا نأمل فيه أن تستمر عجلة البناء للنظام السياسى الجديد فى مصر، بوضع دستور توافقى، وانتخاب رئيس الجمهورية حتى نتفرغ للجهاد الأكبر فى تحقيق مشروع النهضة والتنمية.
وهذا هو الأهم فى ظل حالة التدهور والانهيار الاقتصادى والأزمات المتلاحقة التى تداهم الناس يوميا، وتهدد بثورة جياع قادمة، إذا استمر مسلسل الصدام والتناحر السياسى فى لعبة استعراض القوة، دون إدراك بحجم الكوارث الاقتصادية والاجتماعية.
الاعتراف بالخطأ ليس عيبا أو انتقاصا من وزن أو قيمة أو حجم تيار سياسى معين، والتنازل عن المصلحة الحزبية والأيديولوجية من أجل المصلحة العليا للوطن، هو فضيلة كبرى وميزة تضاف إلى الرصيد السياسى، واستعادة ثقة الشارع مرة أخرى.
تراجع الإخوان فى أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، والبعد عن سياسة الاستحواذ والاحتكار فى العمل السياسى المشترك، سينزع فتيل الأزمة المتصاعدة بين الجماعة، وباقى القوى السياسية والثورية لإعادة مشهد التوافق الوطنى، مثلما كان أيام الثورة الأولى، فالجماعة قد تخطئ إذا استمرت فى الاندفاع بقوة نحو الاستحواذ على كل شيئ، وقد تضع نفسها فى المكان الخطأ، وتعيد انتاج سياسات الحزب الوطنى السابق، ولاتعى درس التاريخ دون اتباع سياسة «خليهم يتسلوا».
وأظن أن جماعة الإخوان لديها من الذكاء والخبرة السياسية والحكمة التى تمكنها من القفز على المأزق الحالى، وتفادى القطيعة مع باقى القوى السياسية، والصدام مع المجلس العسكرى. التصريحات المتواترة من بعض قيادات الجماعة مثل الدكتور محمد البلتاجى، تؤشر إلى البداية المطلوبة فى حل الأزمة، واستعداد حزب الحرية والجماعة لسحب بعض أعضائه من اللجنة التأسيسية للدستور من المنتمين لحزب الحرية والعدالة، واستبدالهم بآخرين، وأن يكون هناك مشاركة أوسع للمرأة والأقباط والشباب فيها.
لكن فى الوقت نفسه، نرجو ألا تكون نوعا من المناورات السياسية بين صقور وحمائم الجماعة، وتوزيع الأدوار بينها.
فلتكن الغاية هى مصلحة الوطن، والدستور هو دستور الشعب، والمشاركة هى الشعار الحقيقى، وليس المغالبة والتكويش. هذا هو ما نتمناه من الجماعة التى تعى دروس التاريخ جيدا.