بعيداً عن تصريحات السيناتور الأمريكى جون ماكين التى يشكر فيها جماعة الإخوان المسلمين على توفير الغطاء السياسى لتهريب المتهمين الأمريكان على ذمة قضية «التمويل الخارجى» إلى أمريكا، وبعيداً أيضاً عن نفى الجماعة قيامها بهذا الدور, واتهامها «ماكين» الذى استقبلته فى مقرها الرئيسى منذ أشهر بالترحاب بأنه يريد الوقيعة بين الجماعة والشعب، وبعيداً عن المقولات التبريرية لفنانى الانحناء السياسى، الذين يبررون الخضوع وانتهاك السلطة القضائية, بادعاء أن مصر حصلت على مكاسب مالية وسياسية من هذه الفعلة النكراء المذلة، بعيداً عن كل هذا, فإنى أرى أن أمام مجلس الشعب الذى تقوده الجماعة تحديا كبيرا، وعليه أن يثبت لنفسه ولمعارضيه وللشعب الذى انتخبه، أنه مجلس الشعب حقا، وليس «مجلس شكلى للمجلس العسكرى»، بأن يمارس دوره المنتظر بمحاكمة كل من تسبب فى مهزلة تهريب المتهمين بهذا الشكل المخزى، والتفريط فى سمعة القضاء.
ننتظر من أعلى سلطة رقابية وتشريعية، أن تحيل كل من تسبب فى هذه الجريمة إلى المحاكمة، وأن توجه تهمة التوسط لدى قاض إلى من يثبت ارتكابه هذه الجريمة، وأن تقيل السيد وزير الدفاع الذى سهل اختراق الأجواء المصرية من قبل الطائرة العسكرية الأمريكية، وأن تعتبر قضية التمويل الأجنبى قضية أمن قومى، وأن توفر الحماية اللازمة لحصانة القضاة الشرفاء، الذين لم يرتضوا العبث بالقانون المصرى، ووقفوا ضد الضغوط السياسية والشخصية، وأن تكرمهم بالشكل الذى يليق بهم، وأن تبعد كل القضاة المتهمين بارتكاب هذه الجريمة عن العمل العام، وعن الإشراف على أى انتخابات مقبلة، وأقربها الانتخابات الرئاسية.
أعرف أن هذه المطالب ربما تكون صعبة على برلماننا الذى يتهم دائما بالسير على خطى المجلس العسكرى، كما أعرف أن محاكمة من هذا النوع، ربما تجلب المشاكل على المجلس الموقر، خاصة أنها ربما تضع الجماعة فى صدام مع المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس محكمة الاستئناف، الذى أشرف على الانتخابات البرلمانية، وأتى بهذه الأغلبية إلى مجلس الشعب، لكنى أعرف أيضاً أن الحق أحق أن يُتبع، وأن الملايين الذين انتخبوا أعضاء برلماننا، وضعوا فيهم ثقتهم المطلقة وأوكلوهم بالدفاع عن حقوقهم، وصيانة قوانينهم، وإن مرت هذه المهزلة دون حساب رادع، فلن نفقد الثقة فى القضاء فقط، وإنما سنفقد الثقة فى كل مؤسسات الدولة بما فيها «مجلس الشعب».
أعرف أيضاً أن هذه المطالب ربما تكون صعبة على نواب الأغلبية، خاصة أن موظفى المعهدين الجمهورى والديمقراطى الأمريكيين، بالإضافة إلى موظفى مؤسسة كونراد إيناور الألمانية، الذين كانوا محظورا سفرهم، اعترفوا أمام قضاة التحقيق بأنهم دربوا حزبى الحرية والعدالة والنور على الانتخابات، وأنهم ساعدوهم فى حشد كل هذه الأصوات، لكن ما لا يمكن نسيانه أو تجاهله، أن هذه المنظمات عبثت بأمننا القومى، واستهزأت بقوانيننا، وخالفت كل الأعراف والمواثيق الدولية، وقامت بأعمال مريبة تستحق أن تعاقب جراءها، ويكفى فقط أن نعرف أن فرع مؤسسة كونراد إيناور الألمانية فى مصر، كان يرسل كل تقاريره وأبحاثه إلى المركز الرئيسى فى الشرق الأوسط الكائن فى تل أبيب.
وأخيراً فإننى أرجو نادى القضاة، أن يقف مع قضاته الشرفاء، ويدعمهم، كما أرجو من قاضيى التحقيق المستشار أشرف العشماوى، والمستشار سامح أبوزيد، أن يعيدا النظر فيما قيل عن تنحيهما عن استكمال التحقيق، وأرجوهما ألا يسمحا بأن نصبح لقمة سائغة فى الأفواه القذرة.