عانينا من الأغلبية الصامتة طوال فترة حكم مبارك، لكن ها هى الأغلبية الصامتة تتحول بقدرة قادر إلى أغلبية باهتة تحت قبة البرلمان، فمجلسنا الموقر يقول وكأنه لا يقول، ولا يفعل وكأنه يفعل، ويتخذ العديد من المواقف، لكنها مواقف متأرجحة، لا تسمن من جوع ولا تشفى من مرض، وبهذه التركيبة الباهتة لا يختلف عندى مجلس «الكتاتنى» المنتخب عن مجلس «سرور» المزور، فكلاهما فاقد الرؤية، عديم الإرادة، تابع وليس متبوعا، وحتى الآن فإن الاختلاف الوحيد الواقع هو أن سرور كان لا يقول ولا يفعل، أما الكتاتنى فيقول ولا يفعل، والمحصلة فى النهاية صفر، بهتان فى بهتان فى بهتان بفتح الباء، والضم هنا أوقع.
انتظرت كأغلب المصريين رد فعل مجلس شعبنا الموقر تجاه فضيحة تهريب المتهمين الأمريكان والألمان فى قضية التمويل الأجنبى، فتمخض الكتاتنى وولد «كلاما» ينتمى لذلك النوع المسمى بـ«طق الحنك»، فقال سيادته فى الاجتماع المشترك بين مجلسى الشعب والشورى: إن مصر ستقيم سياساتها الخارجية على الندية والتعامل بالمثل، ولن تركع مصر لأى ضغوط ولن تقبل أبداً أى ابتزاز سياسى ينتقص من دورها ومكانتها الحضارية والتاريخية، إلى هنا فالكلام مقبول إن كان المقصود به هو قضية التمويل الخارجى، لكن للأسف كان الكتاتنى يقول هذا الكلام قاصدا مصر فى مرحلة ما بعد الدستور الجديد، ولست أعرف ما الذى يعوق أن تصبح مصر هكذا الآن، ألم تقم ثورة الحرية والكرامة الإنسانية؟! ألم يضع الشعب فى هؤلاء النواب ثقته محملا إياهم أمانة تمثيل مصر التى فى خاطرنا وفى دمنا؟!
قال الكتاتنى إن المجلس سيحاسب كل المتورطين فى فضيحة التمويل الأجنبى مهما علا شأنهم أو كبر مقامهم، ولوهلة يتخيل الواحد أن المقصود بـ«مهما» هو المشير طنطاوى ومجلسه العسكرى، لكن للأسف يتوجه الكتاتنى بالشكر للمجلس العسكرى فى ذات الجلسة، مدعيا أنه حمى الثورة، ولست أعرف كيف يحمى المجلس العسكرى الثورة وفى ذات الوقت ينتهك أبسط مطالبها فى الحرية والكرامة، إلا إن كان المقصود بحماية الثورة هو حماية وصول هؤلاء النواب إلى البرلمان، ثم يفاجئوننا بالبهتان.
حدد الكتاتنى موعدا لاستجواب الحكومة بصفتها مسؤولة عن قضية التمويل الخارجى، هو 11 مارس المقبل، لكنه لم يذكر أبدا كلمة المجلس العسكرى، ولم يقل إنه سيستدعيه للمساءلة، وهو يعرف ونحن نعرف أنه المسؤول الأول عن هذه الفضيحة، فما الذى سيقوله رئيس الحكومة غير الكذب والكذب وترديد العبارات الجوفاء، التى لا يقدر على فعلها ولا يقوى على التمسك بها على شاكلة كلمته الشهيرة: لن نركع؟
الكارثة الحقيقية والتواطؤ المفضوح يكمنان فى ميعاد مساءلة رئيس الحكومة المحدد بـ11 مارس، أى بعد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة بيوم، وهو ما يعنى أن اللجنة التى تشرف على هذه الانتخابات لن تمس، بحكم تحصينها بالإعلان الدستورى الباطل الذى أصدره المجلس العسكرى عقب استفتاء مارس الماضي، وهو ما يعنى أيضا أن المستشار عبدالمعز إبراهيم الذى تورط فى هذه القضية سيشترك فى هذه اللجنة، ولن يقدر أحد أن يزعزعه من مكانه، ما يعنى إن استقلال القضاء فى انتخابات الرئاسة سيكون على غرار استقلاله فى قضية التمويل الخارجى، وكفى بها نقمة.
بالمناسبة، موقف المنظمات الحقوقية فى قضية التمويل الأجنبى فى منتهى الخزى والخذلان، خاصة تلك المعنية باستقلال القضاء وسيادة القانون، ولا يختلف أبدا عن موقف المجلس العسكرى أو مجلس الشعب، وإن لم تعدل مسارها فلا أمل فيها ولا رجاء.