مازالت الولادة متعثرة، والناس تنتظر مولد الدستور المنتظر بفارغ الصبر، رغم أننا حتى الآن نبحث عن الأب والأم واللجنة التأسيسية. فلكل منا أحلامه الشخصية فى هذا الدستور، فالبعض يريده دينيا، والآخر علمانيا، والثالث ليبراليا، والرابع رئاسيا، والخامس برلمانيا، والسادس مختلطا. ولا أعرف حتى كتابة هذه السطور متى نجتمع على الأسرة التوافقية التى ستخرج لنا المحروس المتفق عليه، ومن يضمن لنا أنه سيعجبنا جميعا، خاصة أن مشكلة الدستور الأساسية ليست فى أفكاره ومبادئه ومثالياته، بل فى القوانين والتشريعات التى تطبق من خلاله، فكل الدول الديكتاتورية لها دساتير مثالية تكتب ولا تطبق أو تنفذ فقط تبعا لأهواء الساسة.. وفى روسيا مثال عجيب للديمقراطية العمياء، فالرئيس «بوتين» يتبادل الرئاسة مع نائبه، كأنهما يلعبان طاولة، والشعب هو «القواشيط»، والانتخابات الرئاسية مجرد رمية «زهر».. فماذا فعل لهم الدستور الروسى المبجل غير مباركة هذا الأداء القهوجى، وتوزيع الشربات على أعوان الرئيس؟.. فليس المهم نص الدستور، بل تنفيذه بشرف، وتلك صفة نادرة فى السياسة، شحيحة فى السياسيين.. وقديما مر «تشرشل» على إحدى المقابر التى كتب عليها «هنا يرقد سياسى مخضرم بارع وإنسان ذو أخلاق وفضائل»، فتساءل «تشرشل»: هل دُفن فى القبر رجلان؟، فهذا أعقل من أن توجد الصفتان فى إنسان واحد.. تلك شهادة من أشهر سياسى عرفه التاريخ، فلماذا ننتظر من السياسيين فى مصر غير ذلك؟.. لذلك بح صوتنا فى المطالبة بفصل الدين عن السياسة، فالدين ثابت لا يتحمل المراوغة والمماطلة والكذب، بينما السياسة متغيرة، ولا تلعب بغير ذلك، فالتيارات الإسلامية التى اجتاحت السيرك السياسى فى مصر لعبت مثل الجميع بـ«البيضة والحجر»، وعدت وخالفت، وحلفت وتراجعت.. تلك هى السياسة، لكنها ليست من الدين فى شىء.. وأعتقد أن الغالبية التى انتخبتها فهمت الدرس الآن، وعرفت جيدا الفرق بين قبة مجلس الشعب، وقبة مسجد ربنا، وأن دعوة الرجل الصالح تختلف عن دعوة رجل المصالح.
ورغم أننى على يقين بأن الدستور المنتظر «الجاهز مسبقا» سيحمل كل ما نتمناه من ديمقراطية، وعدالة اجتماعية، ومساواة قانونية، فإننى على يقين أيضا بأن أجواء الفساد السياسى لن تتغير، فالأصل فى الدستور ليس فى التطييب بل فى التطبيق، وكرسى السلطة فى مصر ملعون من نسل ملعون، فلم نتغير منذ سبعة آلاف سنة، نفس مشاكل الفقر والجهل والبطالة، بنفس ملامح فساد الحكام، لا فرق هنا بين شيخ طريقة، وشيخ منسر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة