كنت أعتقد أن عقل اللواء عمر سليمان سيحجزه عن الترشح للرئاسة ولكنه لم يصمد أمام سحر المنصب وغاب عنه أن الزمان لا يعود إلى الوراء أبدا ًوأن الإنسان لا يعطيه الله الفرصة مرة أخرى بعد أن أعطاها له أكثر من ثلاثين عاماً، فقد كان بوسعه أن يغير من مسيرة مبارك السيئة ويحجزه عن بيع مصر بثمن بخس وأن يحجزه عن فكرة التوريث، خاصة أنه كان أول وأكثر من يدخل عليه ويتحدث معه، ولكنه لم يصنع شيئا، وأظن أن لا الزمان ولا الشعب سيعطيه فرصة أخرى، لقد نسى أن ثورة يناير خلعت الرئيس ونائبه ولم تخلع مبارك وحده وأن اختياره رئيساً لمصر سيعيد إنتاج نظام مبارك بطريقة أسوأ وكأن الشعب لم يقم بثورة وكأن كل ما مضى من تضحيات كانت بلا قيمة ولا هدف أو نوعاً من العبث.
أعتقد جازما ً أن مصر تحتاج إلى حاكم مدنى عادل ذى توجه إسلامى وسطى بعد أن حكمها العسكر فترات طويلة بالديكتاتورية والقهر، وعودة اللواء سليمان للحكم أخطر من حكم العسكريين لأن الذى يعمل فى الخدمة السرية الاستخباراتية طوال عمره يصعب عليه أن يخرج فجأة للعلنية أو يطرح برامج شفافة أو يقبل النقد، وهو لم ينقد طوال عمره، لن يصلح مصر والدول العربية الأخرى إلا المشروع الحضارى الإسلامى الوسطى بمعناه الواسع الذى يبشر ولا ينفر ويجمع ولا يفرق ويقيم دولة عصرية تحافظ على ثوابت الإسلام وتستخدم الجزء المرن من الإسلام فى إقامة دولة إسلامية مؤسسية معاصرة تحافظ على الحريات العامة وحقوق المواطنة، ويجمع بين حاكمية الله وحاكمية البشر الصالحة وبين الأصالة والمعاصرة وبين الأرض والسماء، يدرك الوسع المجتمعى لتطبيق الشريعة ولا يغفل عنه.
هذا المشروع الحضارى يؤمن بالتدرج كسنة كونية وشرعية، والتدرج لا يكون فى الحلال والحرام، ولكنه فى تطبيق الأحكام، لا يقيم الحق على المجتمع فجأة حتى لا تتركه فجأة، يطبق العدالة الاجتماعية دون تأميم ولا مصادرة ولا إهدار للملكية الفردية، يرى الضعيف قوياًً عند الحاكم حتى يأخذ الحق له، ويرى القوى ضعيفاً عنده حتى يأخذ الحق منه، يرفض الديكتاتورية حتى وإن تزينت بزى شيخ أو عسكرى أو قسيس.. يجمع بين الواجب الشرعى والواقع العملى جمعا ًصحيحا.. يقدم مصلحة الإسلام والأوطان على مصلحة الجماعات والأحزاب حتى وإن كانت مرجعيتها إسلامية، فالإسلام والأوطان باقية والجماعات والأحزاب زائلة حتى وإن كانت ذات مرجعية إسلامية.
يجمع بين الشورى كغاية وآليات الديمقراطية الحديثة كوسيلة.. يوقن أن علاقات الدولة الإسلامية بغيرها تقوم على المصلحة ولا تقوم على الولاء والبراء الدينى، يأخذ من الغرب الصالح من دنياهم ويعطيهم الصالح من الدين والدنيا.. يتعامل بديناميكية الإسلام وحيويته.. ويتعاون مع جميع الأديان والأعراق من أجل خير البشرية.. ولا يرضى أن يكون استاتيكياً جامداً.. يفرق بين الاستعلاء بالإيمان المحمود والعلو بالذات المذموم.. يفرق بين الموالاة الممنوعة للأمم الأخرى.. والمخالفة الحسنة المشروعة لهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة