تعيش مصر ومعها الوطن العربى على تل يفور باطنه بالعديد من القضايا الساخنة، المؤجل دوما أى نقاش بخصوصها تحت شعار منع الفتنة، ولكن يبدو أن الوقت قد حان لتفجير جبال الثلج التى تحتضن هذه الملفات الساخنة.
منح شعلة نار لأصابع الديناميت المخبأة فى القضايا التى كنا نعتبر الاقتراب منها فعلا حراما، يبدو مناسبا الآن مع وطن يخترقه حماس الثوارات التى تحطم أصنام الحاكم الأبوى، ويشطب من التاريخ ما عرف عنه من خضوع وصمت.
لم يكن الداعية والمفكر الإسلامى المحترم الحبيب بن على الجفرى يقصد وهو يتقبل دعوة الصلاة فى المسجد الأقصى أن يفجر كل أصنام الصمت التى تغلف قضية التطبيع، وتحارب باتهامات الخيانة والعمالة كل من يدعو إلى إعادة النظر فى معنى التطبيع ومفهومه، وإعادة صياغة أهدافه وجعله أكثر قسوة على الكيان الصهيونى.
اختلف مع الشيخ الحبيب بن على الجفرى فقهيا وفكريا كما شئت، ولكن لا تملك أن تتهمه بالخيانة أو التطبيع مع الكيان الصهيونى أو تقديم خدمات جليلة لتل أبيب، مثلما فعل الكثيرون من أهل هواية الصيد فى الماء العكر.
ذهب الحبيب الجفرى إلى المسجد الأقصى وكان أكثر صراحة من أدعياء السياسة والثقافة فى الوطن العربى وهم يبررون أفعالهم، وقال الرجل إنه تلقى دعوى لنصرة المسجد الأقصى الذى يتعرض لمخطط هدم وتهويد، وكانت الدعوة مغلفة بطابع ملكى أردنى يضمن له ألا يمس وثيقة سفره أى ختم إسرائيلى، وألا تدنس رفقته أو حمايته أى حراسة تابعة لقوات الاحتلال، ولأن رجلا مثل الحبيب الجفرى لا يعرف معنى المتاجرة بقضايا الوطن، فكان طبيعيا أن يقر ويعترف لخيرى رمضان فى برنامجه «ممكن» أنه قبل الدعوة والسفر لأن فى قلبه كثير من الاشتياق لمسرى النبى عليه الصلاة والسلام.
كان الحبيب يعرف أنه سيتعرض للانتقاد، وكان ينتظر على حد قوله أن يرفع أى إعلامى أو مثقف عربى سماعة الهاتف ليدعوه إلى نقاش حول الزيارة وهل تعدو تطبيعا، وهل هى رخصة يمنحها رجل دين فى حجمه لكل من أراد أن يدخل القدس؟، ولكنه فوجئ بنوع آخر من ردود الفعل التى تعتمد على الاتهامات بالعمالة والتخوين، ولا تمنحه حتى حق الرد كما حدث فى برنامج الحقيقة مع الزميل وائل الإبراشى، الذى اتهم الرجل بالخيانة والتطبيع دون أن يمنحه حتى حق الدفاع عن نفسه.
أزمة الحبيب بن على الجفرى لم تكشف فقط جانبا متوحشا فى هذه المهنة، ولكنها كما قلت فى البداية حزام ناسف فجر جبل الصمت والثلج الذى تقبع قضية التطبيع بداخله فى عملية انتحارية إعلامية قبل الحبيب الجفرى أن يحملها على عاتقه منفردا، ليفتح بابا للنقاش حول ما إذا كان مفهوم التطبيع قد أصبح سلاحا يطعن به العرب بعضهم وليس لطعن الكيان الصهيونى؟، وباب نقاش أوسع حول ما إذا كان المفهوم الحالى للتطبيع فى حاجة إلى إعادة صياغة حتى لا يكون عائقا بيننا وبين إنقاذ المسجد الأقصى من مخططات الهدم والتهويد التى يتعرض لها؟ أعمل عقلك وقلبك وابتعد قليلا عن وضع النقاش الحنجورى الذى يسيطر على أجواء الوطن العربى الآن، وسوف تكتشف أن هذه ليست دعوة للتطبيع بقدر ما هى دعوة لتطوير سلاح عدم التطبيع مع تل أبيب ليصبح لنا لا علينا!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة