هو المعجون بمصر وحواريها وقراها وفقرائها وشعرائها وأناشيدها ومواويلها وملاحمها وملامحها، هو المفتون بوطن مشتهى، يسير إليه أينما سار، ويراها حقيقة بينما يراها الآخرون وهما، هو المجذوب إلى المعنى الأبدى الكامن فى ست الدنيا، هو المشدوه إلى نبع الوطن وصفاء العيش والأيام الخوالى والأمجاد البعيدة، والرايات المرفوعة، والعيون النضرة والقلوب المحبة والوجدانات الرقيقة والأغانى العالية الخفاقة، هو عبدالرحمن الأبنودى، عراب الوطن العربى ودليله إلى ذاته العليا، المجنون بمصر وأحوالها، والمأسور فى سواد عينيها، والسابح فى حلكة شعرها وبسمة ثغرها وارتعاشة قلبها، العارف بحنانها الأبدى، والغارق فى لياليها والمسبح بجمالها التياه وفتنتها التى تستعصى على الوصف والتسطير.
حبيبتى كل ما بنسى تفكرنى الحاجات بيكى
أئنك تدمعك عينى كأنى مش هغنيكى
دمايا متستهلش تكون كحلة ليله لعينيكى
وأنا الدرويش..
أنا السابح بمسبحتى.. ومبخرتى..
وتوب الخيش
أغنى لك.. وأمول لك مواويلك..
ماتسمعنيش ولا تشوفينيش
ومش لازم مادام عايشة
.. مادمت بعيش
أنا الجرح اللى فى جبينك
أنا الخنجر فى شريانك
وأنا اللقمة فى إيد طفلك
أنا قبرك وأكفانك
وأنا الشمعايا فى حفلك
أنا الجاهل لكن باقرا
وبفهم غاية النظرة
أنا دارك وأنا أهلك
وأنا وردك وأنا نسلك
أنا رغيفك وفرانه
وحطب النار..
وزيتونك وزتانه..
أنا القاطف وأنا العصار
وإسلامك وقرآنه.. وقلبى منشد الأذكار
أنا العابد.. أنا الزاهد..
أنا اللى يحب مايلومنيش
أنا العاشق.. أنا الدرويش
صلاة الثورة ماتفتنيش
هذا هو الأبنودى كما وصف نفسه عاشقا لمصر حتى الثمالة، عابدا لدينها الضارب فى عمق التاريخ، ألزم نفسه بالحب والتدله، فأينما سارت تراه وراءها، كطفل يمسك بيد أمه، تسير يسير، تبحر يبحر، تتقاذفها الأمواج فلا يخاف من الغرق ولا يخشى عليها من الأذى، اليوم أتم شاعرنا الأجمل عامه الرابع والسبعين، تمر عليه الأيام والسنون كما يمسح ضوء الشمس على حلو الثمار، فلا يزيدها إلا نضجا وحلاوة، كتب لثورة يوليو أجمل أغانيها، عاشها بروحه وعقله وقلبه ووجدانه فكان أحد أجمل أصواتها، وحينما انتفضت مصر بثورتها فى 25 يناير أعيد له بريقه وسل سيفه ليدافع عن ثورتها وشبابها فاستحق أن يكون بجدارة شاعر الثورتين.
كل سنة وأنت طيب يا خال.