كمية هائلة من المضادات القانونية تنتشر فى الأجواء السياسية، شاهدة على فشل السياسة، وتراجع قيمة الحوار والقدرة على الاستيعاب، ولم يعد يمر يوم إلا وتزدحم المحاكم بالطعون والطعون المضادة أمام القضاء فى قرارات وتشريعات. فقد صدر حكم بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، فى وقت تتواصل فيه طعون ضد المرشحين للرئاسة، أو ضد تشريعات صدرت، أو فى سبيلها للصدور.
وقبل أن يستوعب مجلس الشعب أخطاء التعجل فى تشكيل تأسيسية الدستور، انتبه إلى ضرورة إصدار قانون يمنع الفلول من الترشح للرئاسة، وهو تشريع تم تقديمه متأخرا بشهور، كما أنه يواجه أزمة قانونية ودستورية، لأنه صدر بعد إغلاق باب الترشح للرئاسة، كما أنه صدر موجها لأشخاص بعينهم، وهو ما يجعله محاطا بالبطلان بصرف النظر عن أهدافه. وتثير مثل هذه التشريعات أسئلة عن هدف إصدارها، وما إذا كان الهدف لإرضاء وتهدئة الرأى العام.
لقد كان إصدار قوانين العزل السياسى مطلبا مطروحا منذ اللحظة الأولى لسقوط نظام مبارك، وبالرغم من انعقاد مجلس الشعب منذ شهور، فإنه لم يتذكر القانون إلا بعد انتهاء التقدم لانتخابات الرئاسة، كأنه يصدره من أجل ألا يطبق. إن طرحه يكشف عن طريقة تفكير تخاصم القواعد البرلمانية، فإذا كان التشريع يستهدف الفلول هذه المرة، فما الذى يمنع استهداف أشخاص بعينهم بتشريعات بعينها، ضمن باب لو فتح لن يغلق، وربما كان الأفضل أن يفرض البرلمان قوانين استثنائية، مادام يستند إلى قواعد استثنائية.
لقد كان العناد من الأغلبية البرلمانية وراء أزمة تأسيسية الدستور، وهى القضية التى كان من الممكن معالجتها بالسياسة، ووصولها إلى طرق مسدودة يكشف عن نقص فى الأداء السياسى الذى يبدو نتاجا لسنوات من التسلط، جعلت السياسيين يفتقدون الثقة بالنفس، وينتظرون دائما من يحل مشكلاتهم.
ولا يبدو أن المضادات القانونية أو الطعون تحل أزمة غياب السياسة، فالطعون تشبه المضادات الحيوية التى يحقن بها المريض بدون قواعد طبية ومراعاة لتفاعلات الدواء، فتضاعف من آلامه بدلا من أن تعالجه.
نحن أمام أزمة سياسية تشارك فيها الأغلبية والأقلية التى صوت لها الشعب، وتفتقد القدرة على الحوار والتفاوض والتوافق، فضلا عن انتهازية ظاهرة، وبالتالى فالطعون والمضادات القضائية مظاهر لصراع بلا بداية ولانهاية.
وبالرغم من أن كثيرين يعلنون رغبتهم فى إنهاء تأثيرات النظام السابق، فإنهم لم يغادروا النظام، أو ينتظروا منه التدخل لحل أزماتهم.
كان البرلمان والحكومة ينتظران تعليمات مبارك لحل أزماتهما، الآن مازال هناك من ينتظر التعليمات من جهة ما، من مبارك أو غيره لا تهم الأسماء، وخلال الانتظار يضيعون وقتهم ووقت الجمهور فى صراعات وهمية، ومع أنهم يزعمون الرغبة فى استبعاد النظام السابق والفلول، إذا بهم يستدعون النظام.
مبارك ليس شخصا لكنه طريقة تفكير، لقد رحل بشخصه، لكنه ترك تسلطه فى كل المحتكرين والمتسلطين والانتهازيين.