يسرى الفخرانى

صباح الورد.. فيه أمل

الإثنين، 16 أبريل 2012 04:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صباح الخير، فيرد بوجه ضاحك مشرق مثل الشمس: صباح الورد.. عجوز له ملامح ذكريات دافئة، يجلس على ناصية شارع أمر عليه كل صباح، لا أعرفه ولا يعرفنى، لكن بيننا عشم أننا مصريان.. جلابيته البنية التى مر عليها ألف نهار.. هذا رجل لست فى حاجة لأن أعرف أنه يعيش على العيش والمش والبصل والعسل الأسود.. فى جبينه كبرياء لا تخطئه عين -يعمل على ما أظن- حارسا، سمرته، بنيانه، جلسته، عيناه التى أكاد أرى فيهما مصر بكل عمقها وعبقها فى أيام تالية.. ألمح له أبناء ينحنون على عروق يديه يقبلانها، أفندية، أحدهما يركب فيسبا، قميص أبيض مكوى وبنطلون نظيف، رغم موضته القديمة، أربط بين فتاة تظهر مرة وهى تقدم له كوب شاى بالنعناع وطبقا ملفوفا، أتصور أنها ابنته وخطوتها تعكس توقفها عند مرحلة الثانوية فى الدراسة.. تتشكل العائلة فى ذهنى صباحا بعد صباح، أمنحه من عندى اسما: عم صبحى اسم محايد لمصرى صارم قطف زهرة القطن من الغيط ذات يوم، وذاق الشمس، فجعلته مثل عصا طويلة مستقيمة يتوكأ عليها، كم عمره؟ سبعون، أكثر، أقل، كم مصرى مثلك يارجل؟ كم ابنا من رجل مثلك يارجل؟ فى صباح آخر، رأيت أطفالا صبيان وبنات، للصبيان أسنان لامعة، وللبنات ضفائر مرتبة نظيفة، كيف يعيش هذا الرجل؟.. كلما تأملته فى صباحاتى المتتالية، وجدت حالة من الرضا لا نهاية لها، رضا شامخ لا يلغى طموحه بالاستيقاظ مبكرا كل يوم ليرى الشمس كما اعتاد وهى تتدحرج فى سماء باردة رمادية يعمل مبكرا شيئا ما يأخذ عنه أجرا ويرضى، لعله يغسل سيارات مثلا، لا أعرف هو فى كل الأحوال له وجه مرتاح، يضحك صباحاته كلها ورد: فكرت مرة أن أتوقف عنده تماما، وأمنحه مساعدة ما، استقبلنى واقفا، ثم رد يدى الممدودة وهو يقول نفس العبارة بنفس الوجه: صباحك ورد يا ابنى، شوف حالك وتوكل على الله، مستورة ربنا يستر لك طريقك، كم مصرى مثلك ياعم صبحى؟ أنا أقسم دائما أنهم كثيرون أنهم الأغلبية، الحزب الذى لا يقرأ صحفا ولا له فى برامج التليفزيون، لا يعرف أحد إلا حياته البسيطة التى تطل بوجهيها على الرضا، مصر الممتدة لها وجه عم صبحى وهذا سرها، تطفو وجوها هفتانة مذلولة صفراء مجهدة، شاردة طماعة، ليس الله رازقها، فنستمد منها قراءة مستقبل وطن، نتنبأ بهم بثورة جياع وحفرة من نار نلقى فيها، وضياع على عتبة أعمارنا الجديدة، فلماذا لا نقرأ القادم من وجه هذا الرجل! هذا رجل ليس مركونا على هامش رواية، هو متاح فى الشارع، فى الحياة فى المدينة الكبيرة، وفى الصعيد البعيد وفى الريف بكل خصوبته المتبقية، فى السنين الماضية فقط كنا نتجاهل حضوره الطاغى ووجهه الضاحك ورضاه الكامل، نبحث عن أردأ الوجوه لنلمحها ونمنحها اهتماما، نقرأها ونفسر بها حاضرنا وحياتنا، الحبر الأسود يشوه ورقة بيضاء فنمزقها، لكن الورق الأبيض يمكن أن يجعل من الحبر الأسود قيمة بقدر ما يكتب به أوباما أردوغان ساركوزى البرادعى موسى نجادى السيدة كلينتون، هل تقرأون وجوه العم صبحى وأولاده وأحفاده؟.. هل صادفتموها ذات صباح ورد؟ هل تفهمون ما وراء خطوط الشمس فى ملامحه ونضرة القوة والاحترام فى وجوه أولاده وإبتسامة بريئة طرية موحية يحملها أحفاده؟.. صباحكم ورد «للقراءة فقط».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة