يحاول خالد عبدالله، صاحب أقوى قرون استشعار فى الإعلام المصرى، كما أوضحت فى مقال سابق، ومقدم البرامج بقناة الناس الإسلامية، أن يتمادى فى شتائمه المقدسة الموجهة ضدى حتى أهبط إلى مستواه وأبادله الشتائم بالشتائم، ولكنى لن أرد عليه بنفس لغته، ولن أجاريه فى التدنى بالحوار إلى حد الشتائم، لا لأنه لا يستحق مثلها وأكثر، إنما لأن أخلاقى لا تسمح لى بأن أتساوى بالشتامين سليطى اللسان.
ظهر هذا جليا فى حلقة برنامجه «مصر الجديدة» على قناة الناس يوم الاثنين الماضى، فلم يكلف نفسه عناء الرد على ما كتبته بعنوان «قرون استشعار الشيخ الإعلامى» ولم يعرض للناس كيف قارعته الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان، وكيف أثبت بشهادة الإسلاميين والثوار أن بعض مريدى أبوإسماعيل يميلون للعنف، ويعتدون على مخالفيهم فى الرأى، وترك كل هذا وذهب ليفتش عن مقالاتى السابقة التى أفخر بها ولا أتنصل منها، وأضعها وساما على صدرى، ليجد كلمة هنا أو كلمة هناك ليمضى فى تضليله، وكأن الناس لا تسمع ولا ترى.
ويبدو أن مقالى السابق قد ترك أثره فى نفس المذيع المستشيخ، فبدأ فى استخدام قرونه الشهيرة بالشكل الصحيح، ومضى ليبحث فى مقالاتى عن شىء ليأخذه علىّ، ولما لم يجد اقتطع الكلمات من سياقها والمقالات من تواريخها، ولكنى برغم كل ذلك سعدت أيما سعادة ببحثه هذا، وقلت لنفسى ما يدريك لعله يتعلم مما قرأ فينصلح حاله ويتهذب لسانه، لكن لأن «الطبع غالب ولو علقوا فيه قالب» أخذ يلوى عنق الكلمات ليأتى بما قد يتخيل أنه يذمنى به، وأول ما تمسّح به هو مقالى الذى كتبته فى رثاء شاعر العربية الأول فى العصر الحديث محمود درويش، قائلا إنى أمدح ملحدا، غير مدرك أن للشعر منطقه الخاص، وأساليب مبالغته التى لا يجوز أن نخرجها من سياقها لنأخذها على الشاعر، وقديما قالوا ما يجوز للشاعر لا يجوز لغيره، كما أنه يُروى عن الصحابى الجليل عمر ابن الخطاب، رضى الله عنه، أنه سمع شاعرا يصرّح بما يخالف الشريعة، فتركه ولما وجده قال له لو قلتها فى غير الشعر لأقمت عليك الحد، ولكى لا أطيل عليك أنصحك بقراءة كتاب «التفكير فريضة إسلامية» لعباس محمود العقاد، أو فلتقرأ كتاب «الإسلام والشعر» للكاتب والباحث المفكر سامى مكى العانى، أو كتاب «محمود درويش شاعر الأرض المحتلة» لرجاء النقاش، وإن كنت لا تعرف القراءة فما عليك إلا أن تسأل زميلك فى قناة الناس الناقد الدكتور حسام عقل ليقول لك من هو محمود درويش، وليعلمك شيئا من الشعر، وشيئا من الأدب بالمرة.
ولأن قرون استشعار المذيع المستشيخ مضبوطة على قذارة اللسان، أراد أن يشتمنى بالشعر ذاكرا بيت المتنبى «وإذا أتتك مذمتى من ناقص فهى الشاهدة لى بأنى كامل» وإنى لأعجب هنا من عجز قرون الشيخ عن الاستبصار والاستشعار، وإذا اتبعنا نفس منهج «المستشيخ» فسنتأكد من أنه يعلى من قدر المتنبى، وهو المتهم أيضا بالإلحاد والكفر، وسيرا على منهجه أقول له: كيف يا من تدعى العلم أن تنسى أن هذا المتنبى ادعى النبوة، وتستشهد بأبياته بجوار استشهاداتك بالقرآن والسنة؟ وكيف تجهل أنه مدح بشرا ما يفوق الرسل قائلا: «لَو كانَ عِلمُكَ بِالإِلَهِ مُقَسَّمًا فى الناسِ ما بَعَثَ الإِلَهُ رَسولا/ لَو كانَ لَفظُكَ فيهِمِ ما أَنزَلَ الـقُرآنَ وَالتَوراةَ وَالإِنجيل»؟ وكيف تجهل أنه افترى على الله كذبا، وأنه ألّف كلاما ادعى أنه وحى وقرآن، متحديا الذات العليا.