تاريخ الإسلام كما هو بعد ذلك فى أوروبا، وكما هو قبل ذلك فى عصر الفراعنة فى مصر، عرف الدولة الدينية بالمعنى السياسى، فالدين يتخذ ذريعة للتخلص من السياسيين أو المعارضين، الفراعنة الذين عرفوا تعدد الآلهة كان الكهنة منهم هم القوة الأكبر فى المجتمع، واستغلوا التفاف الناس حولهم وحول آلهتهم، فصاروا يعطون الناس الرقى والتعاويذ التى تخلصهم من العذاب يوم القيامة، وصاروا مرفأ البسطاء، يقدمون لهم المال ليعطيهم الكاهن ورقة يحفظها ويجيب بها عن أسئلة الآلهة يوم الحساب فيمر من العقاب، وظلوا كذلك حتى جاء إخناتون وألغى تعدد الآلهة ليتخلص من هذه القوى الكبيرة من الكهنة، وهو الحاكم الجديد أمنحتب الرابع، بعد موته تولى ابنه وكان طفلاً فعاد الكهنة وأعادوا عبادة الآلهة وقالوا فى بيان لهم: لقد عاد العدل إلى البلاد، وعاد آمون ورع وأوزوريس وغيرهم إلى مكانهم الطبيعى، وما كان ذلك إلا لتعود إليهم قوتهم وسلطانهم.
الأمر نفسه حدث فى أوروبا فى العصور الوسطى، صارت الكنيسة هى التى تعطى صكوك الغفران، وهى التى تحدد دور الملك والسلطان، وقتلت وعذبت كثيرًا من العلماء والمفكرين الذين أرادوا أن يأخذوا أوروبا إلى العصر الحديث، حتى قامت الثورة الفرنسية وتم الفصل النهائى للدين عن الدولة، وتقدمت فرنسا وأوروبا والعالم الغربى كله على هذا النحو، الذين دفعوا ثمن الدولة الدينية كانوا من الأدباء والمفكرين أكثر من غيرهم، وكل التهم التى اتهموا بها هى الخروج على تعاليم الدين وزعزعة أسس الحكم.
فى عصور الخلافة الإسلامية، وخاصة منذ الدولة الأموية، وفى العصور الوسطى الأوروبية، والأمثلة بالمئات، نعرفهم، وآلاف لا نعرفهم، ففى أوروبا تم حرق الكثيرين ممن خرجوا على تعاليم الكنيسة، وفى العالم الإسلامى تم قتل الكثيرين، الحلاج والسهروردى والجعد بن درهم، وتم حرق المفكر الكبير، مترجم كليلة ودمنة، ابن المقفع، هذه مجرد أمثلة، وفى العصر العثمانى حدِّث ولا حرج عن القتل والحرق والموت على الخازوق، وكذلك فى العصور المملوكية، وفى أفغانستان أيام طالبان دفع الآلاف حياتهم لتهم لا أساس لها من الصحة، أو حتى حقيقية، لكنها عوقبت بما لا يتناسب مع ما قطعته الإنسانية من تطور فى أساليب العقاب، كثيرون هناك جلدوا، وكثيرون رجموا وكثيرون هناك قطعت أعناقهم، وكثيرات أيضًا.
والدولة الإسلامية الإيرانية تفعل الشىء نفسه، فمنذ عامين تقريبًا حكم على سكينة أشتيارى بالرجم، وقامت الدنيا ضد الحكم، وبالطبع نال الإسلام ما ناله من سوء التقدير فى جميع بلاد الدنيا، وقبل ذلك تابعنا الحكم بالجلد على الصحفية السودانية التى ارتدت البنطلون ولحسن حظها أيضًا عرف العالم بالحكم الذى لم ينفذ، ومنذ عامين تقريبًا أيضًا انتشر على المواقع تنفيذ الجلد فى سيدة سودانية فى مكان عام، حديقة، وبين الناس، وقام بتنفيذ الحكم رجلان، لم تشفع عندهما صرخات المرأة المسكينة، وبالطبع رأى العالم كله هذه الوحشية.
فى إيران أيضًا عوقب المخرج الكبير جعفر بناهى صاحب الأفلام العظيمة والجوائز العظيمة فى كان وبرلين وسان سباستيان وغيرها من المهرجانات العالمية، بالسجن ست سنوات، والحجر عليه عشرين سنة لا يتكلم مع الصحافة والإعلام، ولا يكتب السيناريوهات، ولا يخرج الأفلام، ولا يغادر البلاد، والتهمة كانت التواطؤ مع الغير بقصد ارتكاب جرائم ضد الأمن القومى للبلاد، والدعاية ضد الجمهورية الإسلامية، طبعًا، فما دامت إسلامية فهى منزّلة من السماء، وحكامها ظلال لله على الأرض، لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، وهكذا، وهكذا... كأن الله قد خصهم بفهم الإسلام دون العالمين، المخرج العظيم الذى رفع اسم بلده فى المحافل الدولية، والذى بدأ حياته مخرجًا فى تليفزيون الدولة الإيرانية نفسها ليس من حقه أن ينتقد بعض ظواهر الحياة الإيرانية ولا الحكم الإيرانى، رغم أنه لم يفعل ذلك فى السر ولم يزد ما فعله على كلام، ولكن كيف يتكلم وهم من فوضهم الله حتى فى الكلام، لذلك لم يكتفوا بسجنه، بل منعوه من الكلام عشرين سنة بعد أن يقضى من السجن ست سنوات، والآن ترتفع فى مصر الدعوات بالدولة الدينية، التى لن تكون إلا بهذا المعنى، لأن المنزهين عن الخطأ فى الدنيا من البشر لم يخلقوا بعد، ولأن كل ما يسمى بالأحكام الشرعية قابل للتأويل حسب الزمان والمكان إذا كان الحاكم عادلاً وحسب رؤية الحاكم ورجاله إذا كانوا ظالمين، الذين يرفعون راية الدولة الدينية للأسف رفعوها من أجل ألاّ يحاسبهم أحد، فكانوا ظالمين، لقد رأيت أحد هؤلاء وهو لم يتمكن بعد من أن يتحدث فى التليفزيون فيصف خصومه قائلاً: كيف يقولون عنى كذا وكذا؟ كيف يقولون ذلك عن الإسلام؟ أى جعل نفسه الإسلام، وكان للأسف يتهم الآخرين فى قضية ثبت كذبه فيها.. هل تفرحون بشخص فى بلد بعيد يشهر إسلامه ويفوتكم أن هناك الآلاف صاروا يمتعضون من الإسلام والمسلمين، آلاف لا تعرفونهم ولا نعرفهم يعانى منهم أهلنا وإخواننا فى حياتهم فى الخارج فى معاملاتهم اليومية، هل يصدق أحد فى العالم مسألة أبوإسماعيل التى صارت حديث الدنيا وأنها قضية مفتعلة، العالم كله يعرف أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، والسبب بسيط جدّا، أنه فى أمريكا لا يمكن أن يكذب مسؤول بورق رسمى دون أن يتعرض للعقاب والمحاكمة مهما كان مركزه، لقد عوقب كلينتون على الكذب أكثر مما عوقب على علاقته الجنسية بالمتدربة فى البيت الأبيض.. مسألة السيد البلكيمى أيضًا صارت حديث العالم، وموضوع الصحافة العالمية، الآن قام الإخوان والسلفيون منذ حوالى عام بتكفير كل من قال «لا» فى الاستفتاء على المبادئ الدستورية، ثم هاهم يعتذرون عن ذلك الآن بعد أن أخروا مسيرة الديمقراطية سنة، وكذلك فعلوا فى اللجنة التأسيسية للدستور التى كانوا يعرفون قبل غيرهم أنها غير دستورية، لكنهم يحتمون وراء الدين ويعولون عليه فى كسب الأنصار والمعركة، تمامًا كالسيد حازم صلاح أبوإسماعيل، هؤلاء كلهم يفعلون ذلك وهم بعد لم يستولوا على الحكم، فما بالك حين يستولون عليه!! كيف سيكون تفسيرهم لأى شىء غير ما يفيدهم شخصيّا باسم الدين، الدول التى تقدمت هى التى فصلت بين الدين والسياسة ولا شىء آخر، ومشت كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» حتى ولو لم تكن تعرفه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة