لم نفق بعد من الخيانة الجماعية لبعض مسيحيى مصر لقرار البابا شنودة، بعدم زيارة القدس مادامت تحت الاحتلال، حتى أفزعنا خبر زيارة مفتى مصر "السابق" على جمعة للقدس، تحت حماية الجيش الإسرائيلى، وأقول إنه أصبح مفتياً "سابق" لأنى لا أتخيل أن يمكث على جمعة فى هذا المنصب بعدما ارتكب هذه الخطيئة الكبرى بقيامه بأكبر عملية تطبيعية مع العدو الصهيونى فى تاريخ رجل محسوب على الأزهر الشريف آية نضالنا عبر العصور وأيقونة تاريخنا المشرف العظيم المقاوم لكل أشكال الاحتلال.
لا أعرف الدافع الذى جعل "على جمعة" يرتكب تلك الحماقة التاريخية، لكنى أعرف أيضاً أن رجلاً فى مثل سنه وفى مثل موقعه من المفترض أنه يمتلك حداً أدنى من الرؤية، وحداً أدنى من البصيرة، وحداً أدنى من التدبر والتعقل، وحداً أدنى من الاستقلال، وأتصور أن كل هذه الحدود "الأدنى" ما كانت لتسمح له بأن يزور القدس فى رفقة جيش الدفاع الإسرائيلى وتحت حمايته.
أعرف أن زيارة القدس هى أمل كل مسلم عربى كريم، وأعرف أن القلب يتحرق شوقاً لمثل هذه الزيارة، لكنى أعرف أيضاً أن القدس تئن تحت عجلات مدرعات الجيش الإسرائيلى المحتل، وأنها ما كانت لتنتظرنا بصحبته أو تحت حمايته، ولكنها تتمنى فى كل لحظة أن نأتيها فاتحين، وأن ندخلها كما دخلناها أول مرة فرحين بنصر الله وعودة الحق وإزهاق الباطل، لا أن نأتيها على صحوة جواد المحتل مكرسين بذلك وضعها فى الأسر، ومستعذبين أنينها تحت الأغلال، ومتجاهلين بقاءها عقوداً بأيدى مدمرى التاريخ كارهى الحضارات.
لا أعرف الآن كيف سأتعامل مع فتاوى على جمعة بعد أن أقدم على فعل لم يجرؤ أحد قبله على فعله، ولا كيف سنتعامل نحن المصريين مع عشر سنوات من الفتوى كان يشغل فيها على جمعة رأس مؤسسة الإفتاء، لكن كل ما أعرفه هو أن استمرار هذا الرجل فى موقعه يعد الإهانة الأكبر لكل شعب مصر، والخيانة الأكبر أيضاً لما تعلمناه من تاريخنا المقاوم وديننا الحنيف، فكيف ونحن نستعد لبناء مصر الحديثة القوية الأبية الكبيرة، وكيف ونحن نستعد لاسترجاع دورنا العربى المفقود يقدم مفتى مصر على هذه العملية التطبيعية المريرة، مستهيناً بقرار الأزهر بعدم التطبيع مع العدو الصهيونى وعدم السماح لرجاله بزيارة القدس وهو تحت الاستعمار الصهيونى.
المطلوب الآن هو التأكيد الحازم من مؤسسة الأزهر على أن زيارة على جمعة للقدس بصحبة جيش الدفاع أمر لا يتعلق بالأزهر ولا ينتمى إليه، وأن يبادر شيخ الأزهر بعمل مؤتمر دولى يؤكد على أن الأزهر مازال متمسكاً بموقفه المقاوم لكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيونى، وأن يعود إلى دوره الرائد فى الدفاع عن المقدسات العربية كافة، والتمسك بآخر ما تبقى لنا من أشكال المقاومة، وهو عدم التطبيع مع العدو الصهيونى بأى شكل من الأشكال.